كثيراً ما يذكر ربنا سبحانه تبارك وتعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام؛ ليتأسي به، فهو صاحب الشريعة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أتى بكتاب من عند الله فيه الشرع، وأمر قومه أن يتبعوه على ذلك، وأوذي موسى أذى كثيراً فصبر، فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتسي به وبالأنبياء من قبله، قال تعالى:{فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}[الأنعام:٩٠]، وإن كان الذي قبل النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة هو عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، لكن موسى صاحب كتاب تشريع، أما عيسى عليه الصلاة والسلام فقد كان صاحب كتاب حكم ومواعظ وبشارة، وإنما جاء ليحكم بشرع من قبله، وهو شرع موسى عليه الصلاة والسلام.
وقد تشابه موسى ونبينا صلى الله عليه وسلم أن كلاً منهما صاحب كتاب شريعة، ومعنى شريعة: أحكام من الله عز وجل يشرعها لعباده منهاجاً للحياة ليعملوا بها، وكذا كانت التوراة، ولذلك لما يذكر الله التوراة يقول:{وَمِنْ قَبْلِه كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً}[هود:١٧] أي: من قبل القرآن، فلما كان كتاب موسى كتاب تشريع؛ كان هو كتاب التشريع الذي قبل القرآن، إذ القرآن كتاب تشريع من الله عز وجل ومنهج للحياة ختم الله عز وجل به الكتب، ونسخ به ما قبله، فجاء مهيمناً على الكتب السابقة، شاهداً على أنها جاءت من عند الله، وشاهداً بأن الأقوام حرفوا ما جاءهم من عند الله سبحانه، وناسخاً لما كان فيها من أحكام، وجاء بشرع من الله سبحانه ليعمل الناس به إلى أن يأتي أمر الله وتقوم القيامة.
ففي الآية يقول لنبينا صلى الله عليه وسلم على وجه المواساة والتسلية وليدخل في قلبه الطمأنينة: اطمئن لست بشيءٍ غريب ولا بشيء جديدٍ، ولست بدعاً من الرسل، فقد كان من قبلك موسى، وقد أتاهم بالكتاب فأوذي، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول:(رحم الله أخي موسى! لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر) صلوات الله وسلامه عليه وعلى نبينا، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أوذي أذاً شديداً لكن قوله يعد من باب التواضع.