للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص)]

قال تعالى: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى:٣٥] الكلمات قبلها كلها ساكنة مجزومة، قال: (إن يشأ يسكن الريح) (أو يوبق) (ويعف عن كثير) سبحانه وتعالى، ثم قال: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} [الشورى:٣٥] فجاءت منصوبة، والعلماء لهم مذاهب في هذا النصب الذي يأتي بعد المجزومات، فقد قال: (إن يشأ)، رجع لمشيئته سبحانه وتعالى، وهنا: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى:٣٥] يقيناً سيعلمون.

فالله قد شاء ذلك أنهم يعلمون ألا مهرب لهم، ويعلمون ذلك في حالتين: يعلمون في حالة ما يهلكهم الله عز وجل بذنوبهم، فيعلمون أنه لا مفر من الله، فهم يعلمون، فلا يحسن أن يقول: إن يشأ يعلم هؤلاء؛ لأنه قد شاء الله عز وجل أن يعلموا أين الهلاك، قال تعالى: {وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى:٣٥].

والحالة الثانية: يعلمون يوم القيامة حين يجمعون ليوم القيامة فلا يعرفون الفرار؛ إذ لا مفر من الله سبحانه، فهم يعلمون ذلك، فليس هذا متعلقاً بالمشيئة، ولذلك قالوا في تقدير شيء قبله هنا: لينتقم الله عز وجل من هؤلاء وليفعل بهم وليفعل بهم وليعلم هؤلاء كذا، فجاءت معطوفة على جملة محذوفة تقديرها: أن الله يبعثهم ويهلكهم، ويجمعهم ليحاسبهم وليعذبهم ولينتقم منهم وليعلم هؤلاء أنهم لا يقدرون على شيء، هذا من أفضل ما قيل فيها، وقيل غير ذلك.

{وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ} [الشورى:٣٥] أي: من مهرب يهربون إليه، وأنى يهربون من الله سبحانه وتعالى؟ إذاً: المحيص: المكان الذي يهرب فيه، أو الهروب نفسه، فما لهم من مهرب من الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>