[تفسير قوله تعالى:(وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا)]
يقول الله سبحانه:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ}[سبأ:٤٣] كان الكفار يتعاملون مع النبي صلى الله عليه وسلم بالغيرة والحسد فإذا تكلم وقرأ عليهم آيات كتاب الله سبحانه فإن هذا جوابهم.
قوله تعالى:{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا}[سبأ:٤٣] بكسر الهاء قراءة الجمهور، وبضمها قراءة حمزة ويعقوب:(عليهُم آياتنا بينات) أي: ظاهرة جلية بينة مبصرة {قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ}[سبأ:٤٣] وهذا نوع من التحريش بالنبي صلى الله عليه وسلم، فكان يحرش بعضهم بعضاً عليه أنه رجل يريد أن يصدكم عما كان عليه آباؤكم، فقد كان عند العرب احترام للآباء، فكان أحدهم إذا تكلم عن أبيه يتكلم عنه بفخر واعتزاز، ولذلك ظنوا أنهم يغلبون النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك، فقد جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم:(أأنت أهدى أم عبد المطلب؟) فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: (أنت أهدى أم عبد الله أبوه؟) فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن كلام الله هو الهدى وليس الذي يقولونه.
قال تعالى:{قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ}[سبأ:٤٣] من أجل إثارة بعضهم بعضاً على النبي صلى الله عليه وسلم، فكان القائل منهم يقول: هذا يريد أن يبعدك عما كان عليه أبوك وعما كان عليه جدك، فهل يرضيك ذلك؟ فيقول له: لا، بل آباؤنا، قال تعالى:{بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ}[الزخرف:٢٢] لذلك الكفار كان يدخل بعضهم لبعض من هذا المدخل، وأن هذا يسب آلهتنا ويسفه آباءنا، فيقول بعضهم لبعض:{مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى}[سبأ:٤٣]، ويقولون عن القرآن الكريم: هذا إفك، والإفك: حديث الكذب.
قال الله تعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ}[سبأ:٤٣] أي: عن الحق {لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}[سبأ:٤٣] هذا كلامهم، إذاً: رموا النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب، فقالوا: إن الكلام الذي جاء به إفك مفترى، وهذا الذي يقوله سحر مبين، يعني: سحر واضح جداً، والذي جعلهم يقولون: إنه سحر هو قولهم: ما سمعناه يقول كذباً قط، ولكنهم عرفوا السحر وطرقه، فقالوا عنه: كاهن، ولكنهم عرفوا سجع الكهان وكلامهم فهو ليس بكاهن، فأقنع بعضهم بعضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم يفرق بين الأب وابنه، وبين الأخ وأخيه، وأنه سفه آلهتهم، وشتم آباءهم، وليس عندهم رد غير ذلك، فاجتمعوا بكفرهم على أن يكذبوا على النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.