للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (لقد كان لسبأ في مسكنهم آية)]

ثم ساق الله لنا بعد ذلك قصة أخرى لنرى ما في آيات الله من عجائب، وما في تدبير كونه من ابتلاء لخلقه وفتن.

قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:٣٥].

فيبتلي الله سبحانه تبارك وتعالى عباده بالخير، فينعم عليهم نعماً عظيمة طائلة، فيعطيهم البساتين والجنات والعيون والأنهار والأبناء والعبيد والأموال، ابتلاءً منه سبحانه، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:٢] أي: من يشكر نعمة الله سبحانه ويعرفها فيؤتيها حقها، ومن يكفر بنعم الله سبحانه فيكذب ويظن أن الله ما أعطاه إلا لفضله، كما يقول البعض من هؤلاء، وقد أرانا الله عز وجل آية من الآيات، فقد أعطى هذه النعم لقوم فلما لم يشكروها استجلبوا على أنفسهم النقم، فجعلهم آية، وفرقهم بعد اجتماعهم وصاروا مثلاً وعبرة للناس، يضرب بهم الأمثال، فيقولون: تفرقوا أيدي سبأ.

أي: كما تفرق أهل سبأ يميناً وشمالاً، ويقولون: فلان تفرق شذر مذر كأيدي سبأ.

قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:١٥].

فقوله: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} [سبأ:١٥] هذه قراءة الجمهور على أنها: مصروفة مجرورة.

وقرأ قنبل عن ابن كثير: (لقد كان لسبأْ في مسكنهم آية) بالتسكين فيها.

وقرأ البزي عن ابن كثير وهي قراءة أبي عمرو: (لقد كان لسبأَ في مسكنهم آية) على أنها: ممنوعة من الصرف، وكأنها اسم للقبلية.

وسبأ أبوهم وسميت القبيلة بعده باسمه.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث عندما سأله رجل: (يا رسول الله! ما سبأ؟ أرض أم امرأة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هي أرض ولا هي امرأة، ولكنه رجل ولد له من الولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم أربعة، فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير، وأما الشامية فلخم وجذام وغسان وعاملة).

فـ سبأ هو أبوهم، وكأن سبأ لقب له، قالوا واسمه: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، فهو قحطاني من أبناء يعرب بن قحطان.

وكان أول من سبى من العرب، أي: أول من أسر وأخذ السبي، فلقب سبأ للأسر الذي كان يصنعه، وقيل: إن الرجل كان مؤمناً، فالله أعلم بأمره.

لكن الغرض أن هذا كان قبل الإسلام بفترة طويلة.

قال الله سبحانه: (فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ) فيها ثلاث قراءات: الأولى: (فِي مَسْكَنِهِمْ)، وهي قراءة حفص عن عاصم وقراءة حمزة.

والثانية: (في مسكِنهم)، وهي قراءة الكسائي بكسر الكاف فيها.

والثالثة: (في مساكنهم)، وهي قراءة باقي القراء، على تعدد المساكن والبيوت التي كانوا فيها.

قال تعالى: (آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ) أي: كان لهم في مساكنهم آية عظيمة.

وكان لهم جنتان، فإذا نظر الناظر عن يمينه وجد الجنات -والجنة: البستان العظيم- وإذا نظر عن شماله وجد الجنات.

أي: بساتين عن اليمين وبساتين عن الشمال.

وكلما مر الإنسان من هناك رأى عن اليمين وعن الشمال هذه البساتين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>