وقوله تعالى:{وَبُرِّزَتِ}[الشعراء:٩١] أي: أظهرت، وبرز الشيء ظهر وارتفع.
وانظر إلى التعبير الجميل في تقريب الجنة من المتقين، فما قال: إنهم قربوا منها، فالإكرام العظيم لأهل التقوى أن الجنة تقرّب منهم، فقد جاءت إليكم فادخلوها، قال تعالى:{وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتْ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}[الشعراء:٩٠ - ٩١].
وأما الكفار فقبل أن يدخلوا النار فإن الله يريهم النار؛ من أجل أن يخافوا منها، وبعد ذلك يلقون في نار جهنم والعياذ بالله.
وقوله تعالى:{وَبُرِّزَتِ}[الشعراء:٩١] أيْ: أُبرزت لهم، فجعلت بارزة يراها كل من ظهرت له، وسميت الجحيم؛ لأنها متقدة مستعرة وفيها اشتعال، يقال لعين الأسد: إنها جحمة؛ لأنها عين براقة مشتعلة، وعين الأسد فيها احمرار، فهي تخوف فسميت جحمة، وكذلك هذه النار -والعياذ بالله- فإنها مشتعلة.
إذاً فالجحيم هي: النار المستعرة المشتعلة.
{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}[الشعراء:٩١]، غوى الإنسان أي: ضل واتبع العوى، وإنسان غاوٍ أي: إنسان ضال ترك طريق الهدى وانحاز إلى الضلال، فهو إنسان غاوٍ.
إذاً فالكفار والغاوون من أهل الكبائر وأهل المعاصي أظهرت لهم جهنم قبل أن يدخلوها، {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}[يس:٦٣]، فينظرون إلى النار فيخافون ويفزعون من منظرها، وبعد ذلك يدخلونها، وانظروا إلى السياق القرآني يقول الله عز وجل:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ}[الشعراء:٩١ - ٩٣]، أين الأصنام؟ وأين الأوثان؟ وأين كبراؤكم؟ وأين الجان؟ وأين من كنتم تعبدونه من دون الله؟ والسؤال هنا ليس سؤال استفهام، وإنما هو سؤال توبيخ وتبكيت لهؤلاء، {أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ}[الشعراء:٩٢ - ٩٣] الآن {أَوْ يَنْتَصِرُونَ}[الشعراء:٩٣] أي: إن كانوا لا يستطيعون أن ينصروكم، فلينصروا أنفسهم {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ}[الشعراء:٩٣] أي: عندما رأوا النار ورأوا عذاب رب العالمين سبحانه.