للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اختلاف العلماء في الملاعنة]

اختلف العلماء هل الملاعنة التي بين الرجل وبين امرأته شهادة لأن الله عز وجل قال: شهادة أحدهم، أو هي أيمان، موثقة بكلمة الشهادة؟ فذهب الجمهور إلى أنها يمين، ولكن وثقت هذه اليمين بكلمة الشهادة، وبكونه يستحضر أنه شاهد نظر هذا الشيء، فهو على يقين مما يقول.

وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الملاعنة هذه شهادة وليست أيماناً، ولكن أكدت بلفظ اليمين.

إذاً: قيل هي شهادة فيها شائبة يمين، وقيل: بل هي يمين فيها شائبة شهادة، فسيبنى على هذين القولين: أنها إذا كانت شهادة فلن تقبل إلا ممن تقبل شهادته، فإذاً لا بد أن يكون الرجل حراً والمرأة حرة، وأما إذا كان أحد الاثنين حراً والآخر عبداً فلن تقبل منه الشهادة؛ لأن العبد ليس من أهل الشهادة.

فإذا كان الرجل عبداً متزوجاً بامرأة أمة فلا تصح بينهما هذه الملاعنة على قول من يقول: إنها شهادة.

وأما على قول الجمهور: إنها يمين، فقالوا: إن اليمين يصح من أي أحد سواء كان حراً أو عبداً.

والذين قالوا: إنها يمين احتجوا بأن هذه الآية ذكر الله عز وجل فيها: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:٦]، ففصل كلمة شهادة بأن يقول: بالله كذا، وهذه ليست صيغة شهادة، وإنما هي صيغة يمين؛ لأن الأصل في الشهادة أن الشاهد لا يحلف، وهنا الشاهد يحلف على الشهادة التي رآها، والأصل أن الشاهد عدل، فطالما أن الشاهد عدل إذاً فتقبل شهادته في الشيء الذي يقوله.

ولكن كونه يذكر هنا أنه لا بد أن يقول: بالله كذا، ويكرر هذا اليمين أربع مرات، ففيه دليل على أن هذا من الأيمان وليس من الشهادات.

ويدل على ذلك أنه جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل: (احلف بالله الذي لا إله إلا هو إني لصادق، يقول ذلك أربع مرات)، فسماه حلفاً، وفي هذا دليل على أن هذا من الحلف وليس من الشهادة.

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال بعد هذه الأيمان: (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن)، فدل هذا على أن الذي قاله الرجل والذي قالته المرأة يمين.

إذاً فالراجح أن هذا اللعان بين الرجل وبين امرأته يمين من الأيمان.

قال الله سبحانه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور:٦] أي: يقذفون: {أَزْوَاجَهُمْ} [النور:٦] أي: الرجل يقذف المرأة فتكون الملاعنة بين الاثنين، وبالملاعنة تحرم عليه المرأة نهائياً، وإذا كانت حاملاً ينتفي عنه الحمل بسبب هذه الملاعنة، والصيغة في (يرمون) لجمع المذكر، فهي في رمي الرجل للمرأة وليس العكس.

والمرأة إذا رمت زوجها فإنها تدخل تحت مسألة القذف السابقة.

وأما الرجل حين يقذف امرأته فإن فيه مهانة شديدة جداً، وسيكون هناك ولد في يوم من الأيام فينتفي منه هذا الرجل، فيكون ضرره متعدٍ، فلذلك كان فيه هذه الملاعنة.

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ} [النور:٦]، فلو كان هناك أربعة شهداء آخرون فشهد الشهود لرجمت المرأة بذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>