للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حديث معاوية القضيري]

روى الإمام أحمد بسند صحيح عن معاوية بن حيدة القشيري أنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين أتيته فقلت: والله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عدد هؤلاء ألا آتيك ولا آتي دينك، يعد له بيديه ثنتاهما، وكان قد حلف أكثر من عشر مرات للكفار أنه لن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل في دينه، ولكن الله العظيم يشاء أن يسلم، ويدخل في دين الله عز وجل، ويذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقد جئت امرأ لا أعقل شيئاً، إلا ما علمني الله، رجل أتيتك لا أفهم شيئاً عن هذا الذي تقوله، ولا أعقل شيئاً مما تقوله، فعلمني وفهمني، ثم قال: وإني أسألك بوجه الله بم بعثك الله إلينا؟ يسأل النبي صلى الله عليه وسلم بوجه الله، وهو أعظم شيء يقسم به، ولذا لا يجوز لإنسان أن يقسم على أحد طالباً دنيا بمثل هذا القسم العظيم، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)، أما الرجل فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن دينه، فأقسم عليه بأغلظ ما يعرف من اليمين، وقال: أسألك بوجه الله: بم بعثك الله إلينا؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بالإسلام، قال: قلت: وما آيات الإسلام)، يستفهم عن الإسلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تقول: أسلمت وجهي لله وتخليت)، وهنا ندرك أن دعوة الرسل كلها دعوة التوحيد، وأن الرسل كلهم عليهم الصلاة والسلام يدعون إلى التوحيد يقولون: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:٢٣]، ويدعون إلى: لا إله إلا الله، التي تتضمن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل أسلمت لله وتخليت)، إذ إن معنى لا إله إلا الله: أنني أسلمت نفسي لله، فله أن يأمرني بما يشاء، وليس لي إلا أن أفعل ما أمر به، وأحقق عبادة الله سبحانه تبارك وتعالى، قوله عليه الصلاة والسلام: (وتخليت) أي: عن كل معبود سوى الله سبحانه تبارك وتعالى، فكان معنى لا إله إلا الله: أسلمت لله وتخليت عن كل شيء سواه سبحانه تبارك وتعالى.

ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم محرم أخوان نصيران)، وأخذ النبي يشرح له أركان الإسلام، لأنه من المتعذر أن يعلمه كل الإسلام في جلسة واحدة، ولكن يخبره عن أهم ما يكون في هذا الدين العظيم؛ حتى يستوعب معاوية رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (كل مسلم على مسلم محرم: أخوان نصيران).

بمعنى: المسلم أخو المسلم، ينصره على نفسه، وينصره على عدوه، ويأخذ له بحقه من ظالمه.

ثم قال صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله من مشرك أشرك بعد ما أسلم عملاً) أي: أن الإنسان الذي يسلم ثم يرتد يحبط عمله كما قال الله سبحانه: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥]، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وتفارق المشركين إلى المسلمين) أي: لا تعود إلى المشركين، فتكون أكيلهم وشريبهم؛ وإلا يصيبك ما يصيب هؤلاء، فإذا غزا المسلمون المشركين كنت أنت معهم، وحينها لا يميزون بينك وبينهم، فلذا ليس لك أن تقيم مع المشركين.

ثم قال: (ما لي أمسك بحجزكم عن النار)، الحجز مكان معقد الحزام، والحجزة أقوى ما يمسك الإنسان منه الحزام، بحيث لا يتفلت، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أنا أمسككم مسكاً قوياً، حتى لا تدخلوا النار، ومع ذلك تتفلتون وتهربون فتشركون بالله سبحانه، وتقعون في المعاصي.

ثم قال: (ألا إن ربي عز وجل سائلي: هل بلغت عباده، وإني قائل: رب إني قد بلغتهم فليبلغ الشاهد منكم الغائب، ثم إنكم مدعوون مفدمة أفواهكم بالفدام)، قوله: (ثم إنكم مدعوون) أي: يدعوكم ربكم، قوله: (مفدمة أفواهكم بالفدام) الفدام: الغطاء الذي يوضع على الوعاء؛ لكي لا يدخل فيه شيء يشوبه، وقد يربط على فوهة السقاء، والمعنى: أنه إذا جاء يوم القيامة يختم على أفواهكم، فلا تنطق الأفواه قبل أن تنطق الأعضاء شاهدة على الإنسان، قال صلى الله عليه وسلم: (ثم إن أول ما يبين عن أحدكم لفخذه وكفه قال معاوية: قلت: يا نبي الله! هذا ديننا؟ قال: هذا دينكم وأينما تحسن يكفك)، يعني: في أي مكان تعمل العمل الحسن تتقرب به إلى الله عز وجل، فيكفيك هذا فضلاً عند الله سبحانه وثواباً من الله سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>