للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا)]

قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:٤٠] لحد في الشيء بمعنى: مال، يَلْحد الإنسان بمعنى: يميل، يصير مائلاً عن هذا الشيء ويُلْحِدُ كذلك، فالمعنى نفسه في الفعل الثلاثي والرباعي، والأصل في الإلحاد: الميل والزيغ والعدول عن الشيء إلى غيره، وهذه تُقرأ بالفعل الثلاثي والرباعي، قرأها حمزة: (إن الذين يَلحِدون في آيتنا)، وقرأها الجمهور فعلاً رباعياً: ((إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا)) بمعنى: يميلون عنها ويزيغون عن الحق الذي أتيناهم به، يلحدون بالإعراض وبالتكذيب في آيات الله عز وجل واتهام النبي صلى الله عليه وسلم، وبتأويل آيات الله عز وجل على غير ما يريده الله سبحانه وتعالى.

ولذلك العلماء يقولون في هذه الكلمة (يلحدون): نزلت في المشركين ومنهم أبو جهل وغيره من الذين كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم وكذبوا بما جاء به ومالوا عن الحق إلى الباطل، فهم يلحدون في دين الله سبحانه وتعالى، ولما قالوا: {لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:٢٦] فإن هذا من الإلحاد والمشاقة والعناد، فهم يلحدون في آيات الله سبحانه وتعالى، ويوصي بعضهم بعض باللغط إذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم، فيهجرون فلا يسمع أحد ما يقوله النبي صلوات الله وسلامه عليه، هؤلاء لا يخفون على الله، والمعنى فيه ما فيه من التهديد من الله عز وجل والوعيد لهؤلاء، أي: انتظروا وسترون ما الذي نصنعه بكم! قال تعالى: {لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} [فصلت:٤٠] أي: نحصي عليهم كل شيء يقولونه ويفعلونه، وليس هباءً ولا سدى، ولكن لنجازيهم يوم القيامة ونحاسبهم على ذلك.

قال تعالى: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [فصلت:٤٠] أي: الذي يُلقى ويقذف في نار جهنم والعياذ بالله لا قيمة له، بل هو بمنتهى الإهانة والتحقير، يؤخذ كالدابة ويلقى في نار جهنم، هل هذا خير أم الذي يأتي يوم القيامة ويؤمنه الله عز وجل من العذاب الأكبر ومن الفزع الأكبر؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) فقوله: (فاصنع ما شئت)، فيه من التهديد ما فيه، يعني: انتظر العقوبة على ذلك واعمل الذي تريده، وسترى عقوبة الله عز وجل التي تنزل بك، وكذلك هنا: (اعملوا ما شئتم) ليس المعنى: أن الله عز وجل يدعوهم إلى الباطل حاشا له سبحانه! ولكن هم أصروا على الباطل، فالمعنى: استمروا فيما أنتم عليه، وسترون ما يأتيكم من عذاب الله سبحانه وتعالى، وهذا تهديد من الله.

قال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:٤٠] إنه يراكم ويحصي عليكم، فلا تخفون عليه سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>