قال الله سبحانه:{وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:٣٩].
(وَهُوَ) هذه قراءة الجمهور، ويقرؤها قالون وأبو جعفر وأبو عمرو والكسائي:(وَهْوَ خير الرازقين).
وقوله:{وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:٣٩] هو سبحانه تبارك وتعالى خير الرازقين، فمن الذي يرزق غير الله سبحانه تبارك وتعالى؟ الرزاق هو الله سبحانه وحده لا شريك له، ولكن تعارف الناس في الدنيا على أن الواحد منهم يأخذ رزقه من بيت المال، ويأخذ أجرته من فلان، فكأن الناس يرزق بعضهم بعضاً على معنى من المعاني، والله هو الرزاق سبحانه، والعبد يرزق أخاه، يقول: رزقته اليوم، أي: أعطيته مالاً اليوم، لكنه يعطي من مال ينفد، والله سبحانه يعطي من مال لا ينفد، والعبد يعطي من مال غيره، فإن المال الذي في يده مال الله وليس ملكاً له حقيقة، والله يعطي من ماله الذي خلقه والذي يرزق به عباده سبحانه تبارك وتعالى.
فإذا قلنا: فلان يرزق فلاناً، وفلان يرزق فلاناً، فهذا كله لا شيء؛ فإن الله هو خير الرازقين سبحانه تبارك وتعالى، فهو الرزاق الكريم ينفق ويقول للشيء: كن، فيكون، وخزائن الله ملأى لا تغيظها نفقة، قال عليه الصلاة والسلام:(أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات إلى أن تقوم الساعة؟ فإنه لم يغض مما في يده سبحانه وتعالى شيئاً).
وهو الذي يقول لعباده كما في الحديث القدسي:(يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط -الإبرة- إذا أدخل البحر).
فإذا وضعت الإبرة في البحر وأخرجتها فإنها لا تنقصه شيئاً، ولو أن إنساناً يقول: نقصت منه شيئاً، فيقال عنه: إنه مجنون لا يفهم، فالإبرة تدخل البحر وتخرج من البحر وهو أمامنا مثلما هو، كذلك خزائن الله عظيمة واسعة مهما أنفق منها لا ينقص منها شيء، فهو سبحانه تبارك وتعالى خير الرازقين.
نسأله من رزقه وفضله ورحمته سبحانه، ونسأله الفردوس الأعلى من الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.