للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ألا لله الدين الخالص)]

قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣]، تأكيد على هذا المعنى العقدي أن الدين لله سبحانه وتعالى، والدين: التشريع من عند الله سبحانه، والتقرب بتطبيق هذه الشريعة يكون لله سبحانه وتعالى.

إذاً: الدين من عند الله، والتقرب بتنفيذ هذا الدين لله سبحانه وتعالى، وكل عمل من العبادات يحتاج إلى الإخلاص، والإخلاص لا يكون إلا بنية، حتى تفرق بين عمل وبين عمل آخر.

ولذلك كانت كل عبادة من العبادات لا بد فيها من النية حتى يثاب عليها العبد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، فالعمل الصالح لا تؤجر عليه إلا بنية خالصة لله سبحانه، وكم من عمل يعمله الإنسان ويكون ظاهره الصلاح ولا يثاب عليه، فيكون هذا العمل في ظاهره أنه يعمل عملاً صحيحاً ولكن في الباطن يريد به السمعة ويريد به الرياء، ولا يستقيم العمل الصالح على طريق الله سبحانه إلا بالنية الخالصة من العبد.

لذلك احتاج كل عمل إلى نية، وأي عمل فيه قربى أو ثواب لا بد من نية صحيحة من العبد حين يعمله، ولذلك قال العلماء: هذه الآية فيها دليل على وجوب النية في كل عمل يعمله الإنسان، ومن أعظم الأعمال التي يعملها الإنسان الصلاة والوضوء الذي لا تصح الصلاة إلا به.

إذاً: الصلاة لا بد فيها من نية، والوضوء أيضاً لا بد فيه من نية، وبعض أهل العلم خالف في ذلك، فذهب الأحناف إلى أنه لا يشترط للوضوء النية، وكأنهم حكموا على أمر الوضوء بأنه رفع الحدث حكمه حكم إزالة النجس عن الإنسان، ولا يحتاج فيه إلى نية، قالوا: فكذلك رفع الحدث منه، فلو أن على ثوب الإنسان نجاسة أو على بدنه نجاسة لم تصح صلاته بهذه النجاسة، ويلزمه أن يغسلها، فلو أنه غسل ثوبه أو غسل يده أو غسل عضواً من أعضائه وهو لا يستحضر النية إلا أنه غسل هذا الموضع بالماء حتى أزال منه النجاسة؛ صار طاهراً مع أنه لم ينو، ولو أن عليه نجاسة ونزل عليه ماء من السماء فأزال هذه النجاسة صار طاهراً من النجاسة ولكن ليس متوضئاً، فلا يكون الوضوء ولا يكون الاغتسال لرفع الحدث إلا بنية، قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣]، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا في الحديث: (إنما الأعمال بالنيات)، كذلك جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الوضوء شطر الإيمان)، هذا لفظ الترمذي، ولفظ الإمام مسلم: (الطهور شطر الإيمان).

إذاً: التطهر جزء من الإيمان، و (الوضوء شطر)، ولا يكون شطراً من الإيمان إلا وهو عبادة، إذاً: الوضوء شرط لصحة الصلاة وهو عبادة، ولذلك قال: (الوضوء شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان)، إلى آخر الحديث.

فبدأ بالطهور أو بالوضوء، فلا يكون هذا الوضوء وضوءاً تؤجر عليه إلا بنية، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يتوضأ: (تخرج خطاياه وذنوبه مع آخر قطرة من ماء)، إذاً: كل ما مر الماء على عضو من أعضاء الوضوء خرجت معه الذنوب فكيف يكون الوضوء بهذا القدر العظيم يكفر الله عز وجل به الذنوب ولا يكون عبادة؟! فإذا أردت أن ينقي الله عز وجل عنك الذنوب وتصح صلاتك فتوضأ، والوضوء لا يكون إلا بنيته، إذاً: لا بد أن تنوي هذا الوضوء عند البداية؛ لتستحضر النية أنك تتوضأ، فتفرق بينه وبين غسل الوجه مثلاً بغرض التنظيف أو بغرض التبرد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>