[موقف حذيفة بن اليمان]
ويحكي لنا حذيفة بن اليمان رضي الله تبارك وتعالى عنه خبر هؤلاء فيما يرويه الإمام مسلم عن إبراهيم التيمي عن أبيه قال: كنا عند حذيفة فقال رجل من التابعين: لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه وأبليت، فقال حذيفة رضي الله عنه: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب وأخذتنا ريح شديدة وبرد شديد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا رجل يأتيني بخبر القوم جعله الله معي يوم القيامة)، أي: واحد منكم يذهب يأتينا خبر هؤلاء وأدعو له أنه يكون معي يوم القيامة، فلم يقم أحد.
قال حذيفة رضي الله عنه: (فسكتنا فلم يجبه منا أحد)، لأنهم كانوا مرعوبين، قال الله عز وجل: {وَزَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب:١٠]، أي: من شدة الرعب والخوف.
قال رضي الله عنه: (فسكتنا فلم يجبه منا أحد، ثم قال: ألا رجل يأتينا بخبر القوم، جعله الله معي يوم القيامة.
فسكتنا فلم يجبه أحد، فقال: قم يا حذيفة فائتنا بخبر القوم، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي)، أي: فقمت في هذا الوقت.
قال صلى الله عليه وسلم: (اذهب فائتني بخبر القوم ولا تذعرهم)، أي لا تخوفهم، ولا تعمل فيهم شيئاً أو تحدث حدثاً هنالك، لأنهم في غاية الرعب، فهذه إذاً بركة وكرامة من الله عز وجل لنبيه صلوات الله وسلامه عليه.
يقول حذيفة: (فلما وليت من عنده وكانت الليلة شديدة الرياح، شديدة البرد، فكأنما أمشي في حمام).
بركة وكرامة للنبي صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من المعجزات، قام حذيفة وكأنه يمشي في حمام، أي: مكان حار، ولا يحس بشيء.
قال: (حتى أتيتهم، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار)، أي: من شدة البرد يضع ناراً خلف ظهره من أجل أن يتدفأ بها، قال: حذيفة رضي الله عنه: (فأردت أن أرميه).
وهنا بلغت به الشجاعة بعد الخوف الشديد، فلو أراد أن يرميه بسهم لفعل وأبو سفيان هو زعيم هؤلاء الكفار في ذلك الحين، قال: (فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا تذرعهم، قال: ولو رميته لأصبته، فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام)، فرجع مثلما ذهب في مكان حار، لا يشعر بشيء.
ولما وصل إليهم قال أبو سفيان كل رجل يتعرف على من يليه، لئلا يكون فيهم جواسيس للنبي صلى الله عليه وسلم، قال حذيفة: (فأخذت بيد الذي بجواري وقلت له: من أنت)، أي: أظهر نفسه أنه منهم، فسأل من بجواره: ما اسمك؟ فلما قال: ما اسمك؟ فالثاني لن يقول له: وأنت ما اسمك؟ وجلس حذيفة في وسطهم في الظلام، وهم يظنونه منهم، فسمع أبا سفيان يقول: ويلكم يا معشر قريش، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام، ولقد هلك الكراع والخف، أي الخيول والإبل بسبب الرياح التي أرسلها الله سبحانه وتعالى، وبسبب خلف بني قريظة للعهد.
فمن شدة ما أرسله الله عز وجل عليهم من الريح، فإن خيامهم لا تقف مكانها، فإنها تطير في الهواء ولا يثبت لهم قدر فكيف سيأكلون، ولا تقوم لهم نار، فارتحل أبو سفيان ووثب على جمله فما حل عقال يده إلا وهو قائم، فمن شدة الرعب الذي وقع في الكفار، فإن أبا سفيان وثب على جمله، ولم يحل عقاله إلا وهو قائم.
قال حذيفة: (ولولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلته بسهم)، أي: لقتل أبا سفيان ورجع للنبي صلى الله عليه وسلم.
فلما رجع شعر بالبرد مرة أخرى، حتى أدفأه النبي صلى الله عليه وسلم بثوبه، ونام رضي الله تبارك وتعالى عنه، قال: (فلم أزل نائماً حتى أصبحت، فلما أصبحت قال النبي صلى الله عليه وسلم: قم يا نومان)، أيْ: يا كثير النوم، فقام رضي الله عنه، وقد ذهب الأحزاب.
هذه قصة الأحزاب مختصرة فيها عبرة لمن يعتبر، فإن النصر من عند الله وحده لا شريك له، إن تنصروا الله ينصركم.