ذكر الله هنا الاستئناس وذكر الاستئذان، ولكل منهما معنى يختلف عن الآخر، فلذلك قالوا في الاستئناس: أنه قبل دخوله الدار يعلن أنه فلان، أو أنهم يستشعرون منه بصوت ونحو ذلك، فجاء عن أبي أيوب رضي الله عنه ذكر الاستئناس ورفعه للنبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(على الرجل أن يتكلم بتسبيحة، أو بتكبيرة، أو يتنحنح، فيأذن له أهل البيت) والمعنى: أن الذي يأتي إلى أهل بيت عليه قبل الدخول أن يعلمهم أنه آت ولا يدخل دون أن يشعرهم بذلك فسيشعر الناس بالوحشة منه، سواءً كان هو صاحب البيت أو غير صاحب البيت.
وجاء عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود أن ابن مسعود كان إذا دخل الدار استأنس فيتكلم ويرفع صوته، ومن في البيت يستشعرون أن أحداً آتٍ فيتهيئون لذلك.
وقد جاء عن مجاهد أنه قال:{حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا}[النور:٢٧] أي: تتنحنحوا أو تتنخموا، وليس الغرض التنحنح ولا التنخم ولكن الغرض أنك لا تدخل البيت فجأة فيفزغ منك أهل البيت، فإذا أردت دخول البيت فعليك أن تؤنس أهل البيت، ثم تسلم عليهم، ثم تدخل.
وفي بيتك أيضاً عليك أن تستأنس وتستأذن وتدخل، إلا أن يكون داخلاً على امرأته أو العكس، فيجوز ذلك دون إذن، لكن دخول الابن على أبيه، أو البنت على أبيها أو على أمها، والابن على أمه أو على أخته فكل ذلك لا بد من الاستئناس والاستئذان؛ فإنه قد يدخل على وضع قد يتأذى ويكره صاحبه أن يراه أحد وهو على هذا الوضع.
يقول أهل العلم في ذلك: مد الله سبحانه وتعالى التحريم في دخول بيت ليس هو بيتك لغاية وهي الاستئناس وهو الاستئذان، وإن كان الراجح أن الاستئناس غير الاستئذان.
(تستأنسوا) أي: فتعلموا أهل البيت أنكم آتون بأي صورة من الصور، فيصبح أهل البيت يستشعرون أن هناك أحداً موجوداً فيتهيئون، فإذا سلم أجابوا وردوا عليه السلام.