تفسير قوله تعالى: (ولوطاً إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة)
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:٢٨].
ذكر الله سبحانه وتعالى بعد قصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام قصة ابن أخيه لوط عليه الصلاة والسلام، فقال: (ولوطاً إذ قال لقومه) فنصب لوطاً كما قال: (وإبراهيمَ) وكأن التقدير: واذكر لوطاً، أو: وأنجينا لوطاً، أو وأرسلنا لوطاً.
قال تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} [العنكبوت:٢٨] أي: اذكر لوطاً وقت أن قال لقومه: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ} [العنكبوت:٢٨ - ٢٩].
وفي قوله تعالى: (إنكم لتأتون)، و (أئنكم لتأتون) إذا اجتمعتا فلها عند القراء قراءات ووجوه كثيرة.
فقراءة نافع، وابن كثير، وابن عامر، ويعقوب، وأبي جعفر، وحفص عن عاصم: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:٢٨].
وباقي القراء الذين هم: أبو عمرو وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف يقرئون: (أئنكم لتأتون الفاحشة) (أئنكم لتأتون الرجال).
إذاً: سيقرأ في الأولى بهمزتين، والثانية بهمزتين، وكل قارئ من القراء على أصله الذي يمد فيها والذي يسهل، فنجد مثلاً قالون وأبا جعفر يقرأان الأولى: (إنكم) والثانية (آئنكم) بالمد بالألف وبالتسهيل فيها.
ويقرأ ورش وابن كثير ورويس: (إنكم) (ائنكم) بالتسهيل في الثانية من غير مد للألف فيها.
ويقرأ أبو عمرو بالمد في الاثنين: (آئنكم لتأتون) (آئنكم لتأتون) الأولى بالمد مع التسهيل والثانية كذلك.
ويقرأ هشام: (إنكم) (آئنكم)، و (إنكم) (أئنكم) له قراءتان.
ويقرأ ابن عامر وروح عن يعقوب: (إنكم) (أئنكم).
ويقرأ شعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف: (أئنكم) (أئنكم).
فالقراءت باعتبار اجتماع استفهامين: إنكم وأئنكم، تكررت مرتين ففيها هذه القراءات التي ذكرنا.
قال لوط: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:٢٨] الفاحشة: الجريمة العظيمة التي تسيء إلى صاحبها يوم القيامة، وتسيء إليكم في الدنيا، وتسوء غيركم بفعلكم معهم ذلك.
ويقال: فحش الأمر، يعني: زاد عن حده جداً، فيأتون الجرم الفضيع الذي لا يتوقع، وكانوا أول من وقع في هذه الفاحشة، ولم يفعلها أحد قبلهم، ولم يتخيل أحد قبلهم هذه الفاحشة التي وقعوا فيها.
فهي أبداً ما حصلت في الخلق قبل قوم لوط.