للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[البطر سبب لزوال النعم]

{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} [القصص:٥٨] ولن تكون هذه أول من يهلكها الله، فقد أهلك قبلها الكثيرين ولا شيء عزيز على ربنا سبحانه وتعالى، وإنما لكل شيء قدر.

لكن الله عز وجل يتركها يترك المؤمنين؛ لأنهم عرفوا نعمة الله وعرفوا لماذا خلقوا، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] فهم مخلوقون للعبادة فقط، فإذا نفذوا أمر الله سبحانه فالله يعصمهم ويمنعهم من أعدائهم ويجيرهم من عذابه سبحانه.

أما من عصى الله سبحانه وكفر به فإنه يستحق الهلاك، كما أهلك من كانوا قبله، قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} [القصص:٥٨] أي: طغوا واستكبروا، فكان الله يعطيهم من النعم فإذا بهم يعلون على الخلق ويستكبرون بنعم الله سبحانه.

والإنسان إذا أعطاه الله نعمة فالله يأمره بشكرها، فإذا شكر فشكره لنفسه، فهو المستفيد وليس الله سبحانه تبارك وتعالى، قال سبحانه: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧] فالعبد كلما شكر الله أعطاه الله مزيداً، قال سبحانه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧].

وإذا كفر المخلوق نعم الله عز وجل أهلكه الله، قال تعالى: {وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧] وقال سبحانه تبارك وتعالى: {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} [القصص:٥٨] والسبب في الإهلاك أنهم بطروا.

والبطر: الطغيان والاستكبار على الخلق، وهو: أن الإنسان لا يعترف بالحق، فكأنه يرفض الحق ويستكبر على الخلق ويستصغر الناس، فالله عز وجل يحقر هذا الإنسان ويهلكه، قال سبحانه: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا} [القصص:٥٨].

أي: صارت مساكنهم آثاراً ينظر إليها الناس ويتعجبون من أحوال هؤلاء الذين كفروا فدمرهم الله سبحانه الذي يرجع إليه الأمر، قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [البقرة:٢١٠].

وقوله تعالى: {وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:٥٨] كقوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:٤٠].

<<  <  ج:
ص:  >  >>