يذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات من سورة الزمر طبيعة موجودة في كل إنسان إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وهو أنه إذا كان في وقت البلاء وفي وقت الضر يجأر إلى الله سبحانه، ويرفع يديه، ويعبد ربه سبحانه تبارك وتعالى، ويطلب منه أن يبعد عنه البلاء ويقول: يا رب يا رب! فإذا كشف الله عز وجل عنه الضر وأعطاه من نعمه سرعان ما ينسى ربه سبحانه، وينسى شكر هذه النعمة، ويستقل نعمة الله سبحانه تبارك وتعالى، وينظر إليها أنها قليلة، وينظر إلى غيره ويطمع فيما أعطى الله عز وجل غيره.
قال تعالى:{وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ}[الزمر:٨] أي: شيء من الضر، {دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا}[الزمر:٨] أي: راجعاً إليه {ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ}[الزمر:٨] أي: ملكه وأعطاه نعمة منه {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ}[الزمر:٨] أي: نسي دعاءه لربه من قبل، فنسي التوحيد ونسي دعاءه ربه سبحانه أن يكشف عنه البلاء وأشرك بالله {وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}[الزمر:٨]، والند هو النظير والشريك، فجعل لله شركاء يدعوهم من دون الله سبحانه تبارك وتعالى.
{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}[الزمر:٨]، هذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير وأبي عمرو وقراءة رويس عن يعقوب:{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}، فهي من الرباعي من (أضل) أي: أنه أضل غيره، ومن الثلاثي من (ضل) أي: ضل هو بنفسه، فهنا معنيان: ضل عن سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى بأن دعا غير الله فصار في ضلالة، ودعا غيره إلى أن يعبدوا غير الله فأضل غيره عن عبادة الله سبحانه، فهو يضل لا يهتدي، يضل: يزيغ عن طريق الحق، ويتبع الباطل، ويضل غيره: يتسبب في إضلال الغير.
قال سبحانه:{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ}[الزمر:٨] أي: لهذا الإنسان الجاحد نعم الله عز وجل عليه، الكافر بربه سبحانه، الذي ينسى ربه في وقت رخائه، ويدعو إلى ربه في وقت بلائه:{قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا}[الزمر:٨]، مهما تمتعت بهذا الكفر، وبهذا الذي تصنعه، وبهذا الضلال فهو قليل مهما عشت في هذه الدنيا، فتمتع قليلاً بهذا الذي أنت فيه:{إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}[الزمر:٨]، هذا الجزاء وهذه نهاية هذا الإنسان أن يكون في النار والعياذ بالله، جزاءً وفاقاً.