[تفسير قوله تعالى:(إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون)]
قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء:١٠١]، وهم أهل الإيمان الذين أحسنوا، قال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:٢٦].
وقد قدر لهم سبحانه بفضله وكرمه عندما خلقهم أن يكونوا في الجنة، فقد سبقت لهم من ربهم الحسنى، فأرشدهم وهداهم ووفقهم فعبدوه وماتوا على الإسلام، فكانت لهم الحسنى وزيادة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم.
قال تعالى:{أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}[الأنبياء:١٠١]، أي: عن النار.
قال تعالى:{لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء:١٠٢].
فالنار لها حس، والحس والحسيس بمعنى: الحركة التي تسمع، فكأن نار جهنم وهي مشتعلة ومستعرة لها صوت اللهب في حركته واستعاره، وهذا هو حسيس النار، فالمؤمنون لا يسمعون حسيسها، فقد أنجاهم الله عز وجل منها، وأبعدهم عنها، بعد أن مروا فوق الصراط.
قال تعالى:{وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء:١٠٢] فيقال لأهل الجنة: (إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً).
فأهل الجنة يعيشون في خلود بلا موت، كما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(يؤتى بالموت على هيئة كبش أملح، ويوضع على قنطرة بين الجنة والنار وينادى: يا أهل الجنة! فيشرئبون، - أي: يطلعون - وينادى: يا أهل النار! فيشرئبون، فيقال: أتعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، نعرفه هو الموت، فيأمر بذبحه بين الجنة والنار).
فييئس أهل النار من الرحمة فلا موت ولا خروج من النار، وأما أهل الجنة فيفرحون، فهم لن يخرجوا من الجنة، وليس هناك موت مرة أخرى، فقد ماتوا الموتتين، أما الأولى فعندما كانوا عدماً، ثم خلقهم سبحانه وتعالى فأحياهم الحياة الأولى، ثم أماتهم الموتة الثانية، وهي الموتة التي أدخلتهم في قبورهم، ثم أحياهم للبعث والنشور، وهذه الحياة الثانية فلا يوجد موت بعد ذلك، وإنما هي حياة دائمة أبداً.
قال تعالى:{وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ}[الأنبياء:١٠٢]، أي: فيما اشتهوا من طعام الجنة ومن ثمارها ومن خمرها ومن لبنها ومن مائها ومن عسلها ومن نعيمها، ومن الحور العين، ومما شاءوا من قصور وبساتين، فلهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون.