قوله:(أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) من الذنوب العظيمة أن يقتل الأب ابنه، أو الأم تقتل ولدها، فكان أهل الجاهلية يئدون البنات، ويذكر أن رجلاً من أهل الجاهلية يقال له: قيس التميمي، هذا الرجل كان قد أغار قوم على قومه وأخذوا الحريم معهم، ومن ضمن من أخذوا من الحريم ابنة هذا الرجل، فلما أخذوها كانت عند رجل من هؤلاء أمة، ثم بعد ذلك اصطلحت القبيلتان، وجاء هذا السابي يخير البنت بين أبيها وبينه، قال: هل تريدين أباك أو تريدينني؟ فاختارت من سباها، فأقسم الرجل أنه لا تولد له ابنة إلا وأدها، فأخذ منه الناس هذه العادة السيئة وفعلوها، فكانوا يقتلون البنات، ويقولون: نقتل البنات؛ لأن بنت فلان عملت كذا ولا نريد أن تفعل بناتنا هذا الشيء، وهذا في الظاهر، ولكن الحقيقة في الباطن أنهم كانوا يحتاجون إلى الذكور، كانوا يريدون ذكوراً لأجل أن يشتغلوا ويأتوا بالمال، ولكي تغير القبائل بعضها على بعض، فهم يريدون ذكوراً حتى يغيروا على القبيلة الثانية، أما البنت فأنا أصرف عليها وتفقرني ولا تأتي بشيء، والولد سيأتي لي بالمال، فلذلك فضحهم الله عز وجل حين قال:{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ}[الأنعام:١٥١] أي: أنتم تقتلون أولادكم لأنكم لا تريدون أن يأكلوا معكم، قال تعالى:{نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام:١٥١] فالرزق من عندنا فنحن نرزق الجميع.
وقال تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[الإسراء:٣١] فالرزق من عند الله سبحانه، فكون الإنسان يقتل ابنه هذا تجرد من الرحمة، وتجرد من آدميته ومن إنسانيته، وهذا الفعل من كبائر الذنوب ومما يفحش من الذنوب، حين يسمع الناس أن فلاناً قتل آخر في مشاجرة أو كذا، قد لا يتفاحش عند الناس حين يسمعون ذلك، لكن حين يسمعون أنه قتل ابنه، فهذا شيء فظيع جداً أن يفعله الإنسان.