[تفسير قوله تعالى: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك بأمره)]
قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الجاثية:١٢] ذكر لنا في أول السورة بعضاً من نعم الله ومن آياته سبحانه وتعالى، فأخبرنا أنه سخر الشمس والقمر، وخلق الليل والنهار، وسخر الرياح، وصرف الرياح، وأرسل السحاب سبحانه، وأنزل الرزق من السماء، كل هذه آيات من آيات الله سبحانه.
وفي خلقكم آية من آيات الله سبحانه، كذلك من آياته: ((اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ)).
الله الذي يستحق العبادة وحده، فهو الذي سخر، وهو الرب الذي يفعل ذلك، فهو الرب الفاعل الذي يفعل، والصانع الذي يصنع، والمألوه المعبود الذي يستحق العبادة، فيجمع بين الاثنين: بين توحيد ألوهيته أنه مستحق لأن يؤله ويعبد، وتوحيد ربوبيته أنه الفاعل وحده لا أحد معه يصنع ذلك.
وسخر الشيء بمعنى: ذلله ويسره، وسيره، وكلفه بأن يفعل كذا، فالله سخر لكم البحر، وجعله تحت تصرفاتكم، فتتصرفون فيه، وتركبون عليه، وتسبحون فيه، وتغوصون بداخله، وتأخذون من خيراته.
وقوله تعالى: ((لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ)) أي: لتجري السفن في البحر بأمره ليس بأمركم أنتم، فالإنسان حين يتطاول على ربه سبحانه يريه الله عز وجل آياته.
هذا مركب غرق وعليه ألف وأربعمائة شخص، لم ينج منهم إلا القليل، فالذي سخر البحر الله، وعندما يتطاول العبد على الله يريه الله عز وجل آياته، وانظر إلى أعجب سفينة كانوا قد صنعوها (تايتنك) وقصتها معروفة لدى الجميع، وقد صنعوا لها مسلسلات أو روايات تلفزيونية وغيرها، ومعنى (تايتنك): الخارقة، والمعجزة، والجبارة، يعني السفينة القاهرة التي لا تقهر، فقد تحدوا الله عز وجل، وأغنى أغنياء العالم ركبوا في هذه السفينة، ومن غرور صاحب هذه السفينة أنه لم يضع فيها قوارب نجاة، وأمر ربان السفينة أن يجري بها على أقصى سرعة ليرى الناس عظمة هذه السفينة، وضخامة حجمها، وكل من عليها من أصحاب الملايين، جرت اصطدمت بجبل وانقسمت نصفين وغرقت بمن عليها! قالوا: كان من الممكن نجاة من عليها لو كان عليها قوارب نجاة، واستمرت خمس ساعات وهي تغرق، فلو كان هناك قوارب نجاة لنزل الناس منها ونجا من عليها، ولكن غرور أهلها جعهلم يقولون: هذه السفينة لا تقهر، فقهرها الله أول ما نزلت في البحر، واصطدمت وانشطرت وغرق كل من فيها، وربان هذه السفينة كان بإمكانه أن يعوم، ولكنه فضل أن يغرق مع السفينة لئلا يفضح عندما ينجو.
فقوله تعالى: ((اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ)) أي: بأمر الله تجري وتسير وتقف، ولا يحدث فيها شيء إلا بأمر الله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: ((الْفُلْكُ)) أي: السفن في البحر بأمر الله، وقوله: ((وَلِتَبْتَغُوا)) أي: لتطلبوا من فضل الله سبحانه.
فقوله: ((مِنْ فَضْلِهِ)) أي: بالأخذ من هذا الماء، وبالتجارة في البلاد، وبالغوص وإخراج اللؤلؤ والمرجان والمعادن داخل البحار والبترول وغيرها، وفضل الله عظيم سبحانه.
قال تعالى: ((وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) أي: حين تجدون نعم الله ورزقه سبحانه، فيمكن أن تشكروا الله وتتفكروا في آياته وترجعوا إليه فتعبدوه سبحانه.