تفسير قوله تعالى:(يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)
قال الله تعالى:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:٧] فبين في الآية أن ما لديهم من علم كـ لا علم، فهم يجهلون مع علمهم، أما ما يعلمون فهي علوم الظواهر من الحياة الدنيا، ولا يغوصون في بواطن هذه الأشياء، ولا يطلعون على ما وراءها، فهم يعلمون في الحياة الدنيا أن الماء ينزل من السماء في فصل كذا وفصل كذا وفي شهر كذا وشهر كذا، وبسبب علمهم ذاك يحددون مواسم البذور والأشهر المناسبة لكل نوع منها، ومواسم الري والحصاد وغير ذلك، فكان علمهم مقتصراً على ظواهر الحياة الدنيا، أما أنهم ينظرون نظر تأمل أن الذي أنزل الماء من السماء هو الله، وأنه لذلك يستحق أن يشكر وأن يعبد سبحانه تبارك وتعالى؛ فلا، وكأن علمهم علم بالدنيا فحسب، فيتلهفون كيف نكسب؟ وكيف نجمع هذا الذي كسبناه؟ وكيف نبني؟ وفعلهم وهمهم منحصر على ظواهر الدنيا، أما ما وراء ذلك من العلم بالغيب والإيمان بالله سبحانه تبارك وتعالى وشكر المنعم سبحانه تبارك وتعالى على ما أنعم على العباد فليس لهم به شأن، وهذا حال أكثر الناس، والأقل هم الذين يعلمون بما لهم من بصائر وبما في قلوبهم من إيمان، فتجدهم يشكرون الله سبحانه، ويعلمون أنه هو الحق المبين.
إن من غفل عن الآخرة مهما أوتي من علم فعلمه كـ لاعلم، ومهما حاز الإنسان من رتب علمية كأن يكون أستاذاً أو دكتوراً أو غيرها من الرتب في الدنيا، ويشار إليه بالبنان وهو عن الآخرة غافل وغير مستعد للموت ولم يستعد للجنة ولا للنار فإن علمه كـ:(لاشيء) عند الله سبحانه تبارك وتعالى، وذلك لأنه لم ينتفع بذلك العلم بأن يخشى الله، وقد قال سبحانه:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] فإذا أورثه هذا العلم الخوف من الله سبحانه وخشيته فهو العلم النافع الذي سيجعله عبداً لله مؤمناً به سبحانه، أما علم في أمر ظواهر الدنيا لا يتعدى ذلك إلى الإيمان باليوم الآخر، بل ويظل صاحبه ملحداً وقد يدعي أن الطبيعة هي التي خلقته، وأن الله سبحانه لم ينزل كتاباً ولم يرسل رسولاً، فلا يعد علماً ولا يستحق صاحبه شيئاً، إنما يعيش في الحياة كبهيمة الأنعام ونهايته إلى النار والعياذ بالله.
وقد أعاد الضمير في قوله:{وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم:٧] تأكيداً ووصفهم بأنهم غافلون أي: في غفلة عظيمة عن الآخرة وعن الموت وعما يكون بعد الموت.