[تفسير قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)]
قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [فاطر:١٨].
والوزر بمعنى: الحمل.
والمقصود به: الحمل من الإثم، أي: ما يحمله من آثام وذنوب.
فقوله: ((وَازِرَةٌ))، يعني: نفس محملة بالذنوب.
وقوله: ((وَلا تَزِرُ))، يعني: لا تحمل عنها.
إذاً: فقوله: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))،يعني: أن النفس المحملة بالآثام لا تحمل إثماً من آثام نفس ثانية.
أي: أن أهل الإثم والمعاصي لا أحد يحمل شيئاً عن الثاني.
وقد كان الكفار يقول بعضهم لبعض ذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت:١٢]، أي: نحن نحملها عنكم، فقد كانوا عجباً في الغباء.
وأحدهم عندما سمع قوله تعالى عن النار: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:٣٠] وكان يكنى بـ أبي الأشدين وكان من العرب الأقوياء جداً، وكان غباؤه على قدر قوته.
قال: يا معشر قريش اكفوني منهم اثنين وأنا أكفيكم منهم سبعة عشر.
وهذا من الغرور والغباء، وإلا فهو يتكلم عن ملائكة الله ولم يراهم.
ومثل هذا الكلام كان يعجب الحمقى والمغفلين من المشركين ويهون عليهم الأمر.
فيصدقونه في هذا التخريف الذي يقوله.
وكان بعضهم يقول لبعض: اعمل هذا الشيء وعلي ذنبه، أي: أنا سأحمل عنك الذنب، فيصدقه في هذا الأمر، ويعمل هذا العمل.
وإلى الآن موجود مثل هؤلاء الحمقى والمغفلين، يقول أحدهم للآخر: اعمل هذا العمل وعلى ذنبه ولا تخف.
وقد قال تعالى: ((وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى))، أي: أنت تحمل ذنبك ومثل ذنبه، وأما ذنبه فهو يحمله، (فمن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً).
فكل واحد يحمل ذنبه فقط، ولكن هذا عليه عذاب ذنبه وعذاب مضاعف؛ لأنه سن للباقين، من غير أن يخفف عن الآخرين شيئاً.
فالناس الآثمة المحملة بالذنوب عليهم ذنوبهم وأمثال ذنوب من أضلوهم في هذه الحياة الدنيا.
ولذلك الضعفاء من أهل النار عندما يقولون لله سبحانه تبارك وتعالى عن الأقوياء الذين أضلوهم: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ} [الأعراف:٣٨]، أي: هؤلاء هم السبب فآتاهم عذاباً ضعفاً.
يقول الله عز وجل: {لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:٣٨].
أي: هؤلاء عذابهم مضاعف، وأيضاً أنتم عذابكم مضاعف، ولكن لا تعلمون ما الذي ادخره لكم الله عز وجل عنده من عذاب نسأل الله العفو والعافية.
قال عكرمة: بلغني أن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول: ألم أكن بك باراً وعليك مشفقاً وإليك محسناً؟ ألا ترى ما أنا فيه؟ فهب لي حسنة من حسناتك أو احمل عني سيئة.
فيقول الأب: إن الذي سألتني يسير، ولكني أخاف مثلما تخاف.
فكل إنسان خائف.
فالأب يهرب من ابنه، والابن يهرب من أبيه.
ويكون حال الزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها نفس حال الابن مع أبيه.
فكل منهما يذهب للآخر ويقول: أعطني حسنة، فيقول: والله إن الأمر سهل، ولكن أخاف أنك لو أخذت الحسنة ينقص ميزاني وأدخل بسببها النار.
فيهرب كل منهم من الآخر ويقول: إني أخاف مما تخاف ثم تلا عكرمة قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [فاطر:١٨].
وأما الأم فقال الفضيل بن عياض: إن المرأة تلقى ولدها فتقول: يا ولدي ألم يكن بطني لك وعاء؟ ألم يكن ثديي لك سقاء؟ ألم يكن حجري لك وطاء؟ فيقول: بلى يا أماه.
فتقول: يا بني! قد أثقلتني ذنوبي فاحمل عني منها ذنباً واحداً.
فيقول: إليك عني يا أماه فإني بذنبي عنك مشغول.
وكل إنسان يوم القيامة يقول: نفسي نفسي، حتى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم كلهم يقول: نفسي نفسي.
إلا نبينا صلوات الله وسلامه عليه فيقول: (يا رب أمتي، يا رب أمتي).
فعلى كل إنسان أن يستعد لهذا اليوم الفظيع ويعمل له ويعد له.
قال تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا} [فاطر:١٨]، يعني: مثقلة بالذنوب، أي: أنها تحمل أحمالاً كالجبال يوم القيامة.