[تفسير قوله تعالى:(الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم)]
لما ذكر الله أمر الربا والزكاة قال بعد ذلك:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[الروم:٤٠].
وانظر إلى ارتباط الآيات قبلها، فذكر أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وأن المال مال الله سبحانه، يعطيه من يشاء، ويمنعه من يشاء سبحانه، ويوسع ويبسط على من يشاء، ويقدر ويضيق على من يشاء، فالمال مال الله، ثم ذكر آية الربا والزكاة، ثم ذكر بعدها أن المال مال الله، والخلق خلق الله سبحانه تبارك وتعالى، فانظر إلى هذا الترتيب البديع الجميل! قال تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[الروم:٤٠].
فتنظر بدء الخلق كيف كنت في بطن أمك، من الذي يطعمك ويسقيك وأنت بداخل أحشاء أمك؟! الله سبحانه تبارك وتعالى الذي قال:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}[الروم:٥٤].
الله المعبود سبحانه تبارك وتعالى، والخلق من أفعال الربوبية، فكونه رباً يخلق سبحانه، وكأنه أشار هنا إلى إلهية الله سبحانه، وأنه الإله الذي يستحق العبادة، فهو الله العظيم سبحانه المعبود الذي خلق فاستحق أن يعبد سبحانه، فهو لم يخلقكم ويترككم سبحانه، وإنما رزقكم وأنتم في بطون أمهاتكم أطفالاً صغاراً، ورزقكم وأنتم كبار، ورزقكم حتى تموتوا، قال:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[الروم:٤٠].
فذكر بعد الخلق الرزق، ثم يميت الله عز وجل العباد، ثم يبعثهم ويحييهم للجزاء سبحانه، الذي فعل ذلك هل غيره سبحانه يفعل ذلك؟! {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}[الروم:٤٠].
فالله هو المعبود وحده سبحانه، وهؤلاء الذين تعبدونهم من دون الله من أصنام وأوثان وإنسان أو جان هل يفعلون كما يفعل الله؟ حاشا لله سبحانه تبارك وتعالى.
قال الله تعالى:{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}[الروم:٤٠] تنزيهاً لله وتقديساً له سبحانه أن يقال عنه ذلك، وتمجد سبحانه عما يشركون ويقولون عنه الكذب.
(الله الذي خلقكم) هذه قراءة الجمهور، وقرأها أبو عمرو:(الله الذي خلقْكُّم) بالإدغام فيها، ويقرؤها ابن كثير وقالون وأبو جعفر:(الله الذي خلقكموا ثم رزقكموا ثم يميتكموا ثم يحييكموا).