هذه قصة يذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة النمل بعد أن ذكر قصة موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام في أول هذه السورة، ثم قصة سليمان مع ملكة اليمن بلقيس، ثم ذكر قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
وهذه القصة تكررت في القرآن في مواطن مع غيرها من القصص، وإن كانت هنا أفردت بالذكر عن غيرها مما يذكر معها عادة، كقصة لو مع قومه مثلاً، وقصة عاد مع نبيهم هود عليه السلام، فذكر هنا قصة ثمود فقط، ثم ذكر بعدها قصة قوم لوط.
وقصة ثمود تكررت إما مطولة كما يذكر الله عز وجل في سورتي الأعراف وهود وغيرهما، أو أنها كهذه السورة وسط، وفيها شيء لم يذكر في غيرها من السور، أو يختصرها كما يشير إليها في سورة القمر مثلاً أو في سورة الحاقة.
فهنا في هذه السورة يذكر جزءاً زائداً على ما في غيرها من قصص القرآن وهو قوله سبحانه:{وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[النمل:٤٨]، حيث يريد أن يرينا سبحانه وتعالى عاقبة المفسدين، وكيف أن الإنسان المفسد يحيق به مكره، كما قال تعالى:{ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}[فاطر:٤٣]، والإنسان الذي يتعزز ويتقوى بنفسه ورهطه، وبمكره وكيده وقوته، يأتيه الله عز وجل من حيث لا يحتسب، فإذا ظن أنه قد أمن أتاه مكر الله وعذابه سبحانه، وحيث يظن أنه قوي أتاه من قوة الله ما لا طاقة له بها، فعلى الإنسان أن يحترز من أن يستضعف إنساناً مؤمناً، أو يفعل بقوته ومكره شيئاً يغضب الله سبحانه، أو أن يكله إلى نفسه سبحانه وتعالى.
وقوم ثمود كانوا بين الحجاز والشام، في منطقة تسمى حجر ثمود، يمر بهم الذاهبون إلى بلاد الشام حال كونهم خارجين من الحجاز، ولقد أرسل الله إليهم نبيهم صالحاً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حيث قال الله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}[النمل:٤٥]، فدعاهم إلى الله سبحانه، وتقدم في سورة الشعراء كيف أنه قال لهم:{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}[الشعراء:١٤٦ - ١٥٢].
فكان الجواب من هؤلاء الكفار لنبيهم أن قالوا له:{إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ}[الشعراء:١٥٣]، يعني: فإما إنك بشر مثلنا، لك صدر ورئة مثلنا، أو أنك رجل مسحور لا تدري ما تقول، فالله عز وجل ذكر هناك شيئاً، وذكر هنا شيئاً آخر، والقصة واحدة، ولكن أسلوب القرآن البديع أنه إذا كرر القصة في مواطن أتى بشيء جديد في كل موضع من المواضع؛ لأجل أن يشدك إلى سماع هذه القصة التي يسوقها ربنا سبحانه.