قال سبحانه:{وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا}[لقمان:٦]، فقوله:(ويتخذها) قرأها بالنصب حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، ويعقوب، وباقي القراء يقرءونها ((ويتخذُها هزواً)) بالضم على الاستئناف.
أما كلمة (هزواً)، فيقرؤها حفص فقط من غير همز، وباقي القراء يقرءونها بالهمز:((هُزُءاً)) ويقرؤها حمزة (هُزْءاً) وإذا وقف عليها قرأها (هُزاً) أو (هُزْواً).
والغرض أن الله سبحانه وتعالى يخبر عمن طريقه اللهو واللعب والتفريط والتضييع أنه يتخذ سبيل الله هزواً ويستهزئ به؛ لأنه يريد من الناس أن يفرحوا به، فيمزح ويضحك كثيراً، ويستهزئ حتى يضحك الناس، ويسخر من أهل الله سبحانه ليضحك الناس عليهم، فيتخذ سبيل الله هزواً، قال الله تعالى:{أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[لقمان:٦]، أي: هم في هوان دائم، فيهينهم الله سبحانه وتعالى كما صنعوا بأوليائه ودينه، ويخزيهم في الدنيا والآخرة، ذل المعصية على وجوههم مهما قالوا: إن لهم المرتبة العالية، أو المرتبة الراقية، فهم يستشعرون الذل في أنفسهم.
ولقد اجتمع ذات مرة شخص من هؤلاء مع نقابة الموسيقى، فقال لهم النقيب: نحن فوق الناس، فقال له هذا الرجل: كيف تطرحنا فوق الناس ونحن أقذر خلق الله؟! فهم في أنفسهم يعرفون ما هم فيه من بعد عن الله سبحانه وتعالى، وإن قالوا: نحن أرق الناس حساً، يقول الله تعالى عنهم:{لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ}[لقمان:٦]، وهم في أنفسهم يستشعرون هذا الهوان لبعدهم عن ذكر الله، وعن طاعة الله سبحانه وتعالى، ويوم القيامة لهم عذاب مهين بما استهزءوا بدين الله سبحانه وسخروا منه.
فالآية وإن كانت نزلت في هذا السبب لكن العبرة بالعموم، فكل من يتلهى عن دين الله سبحانه، ويشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله، وبهدف اللهو واللعب والبعد عن دين الله سبحانه، فهذا له عذاب مهين عند الله سبحانه وتعالى.
فليحذر المؤمن أن يضل الخلق عن ربهم سبحانه وتعالى.
وانظر إلى واقعنا اليوم، حيث تجد هؤلاء يستقطبون الشباب على المقاهي لشرب الشاي أولاً، ثم يأتي لهم بالشيشة وما شابهها، ثم ينقلهم إلى التلفاز وإظهار الصور العارية، وكل هذا {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وأنت ترى المقاهي ملأت الدنيا أكثر من عدد المصانع أو غيرها من الأشياء التي تنفع الناس، فإذا بالإنسان في ضلال دائم، سهر بالليل، ونوم بالنهار، وجيفة بالليل صخاب بالنهار، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.