[تفسير قوله تعالى:(ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم)]
قال الله تعالى:{وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}[القصص:٤٧].
أي: لولا نزلت عليهم بلية وعذاب من السماء، ليس بظلم من الله، ولكن بما كسبت أيديهم، فهؤلاء لو أهلكهم الله بعذاب فإنما ذلك بسبب كفرهم وشركهم، فهم كانوا يعرفون الله سبحانه، حتى ذهب رجل منهم إلى بلاد الشام، فوجدهم يعبدون أصناماً، وهذا الرجل هو عمرو بن لحي الخزاعي فأتى بصنم فوضعه في مكة، فأعجب أهل مكة هذا الصنم، فصنعوا أصناماً مثله حول الكعبة، فكفروا وأشركوا بالله سبحانه وتعالى.
قوله:((ولولا أن تصيبهم مصيبة)) أي: بسبب هذا الذي صنعوه وبكفرهم وبعدهم عن الله، ثم تشريعهم لأنفسهم أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، قال تعالى:{مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[المائدة:١٠٣] فهم يفترون ويقولون: هذه محرمة؛ لأنها وصيلة، وهذه محرمة؛ لأنها حام، وهذه محرمة؛ لأنها كذا، فيجعلون من الأنعام سوائب يسيبونها، فلا يأكلها أحد ولا ينحرونها بدعوى أنها سائبة متروكة هكذا، ويحرمون أشياء ويقولون: هذه لذكورنا خاصة دون نسائنا، فإذا كانت ميتة فهي للذكور وللإناث جميعاً، وإذا كانت مذكاة فهي للذكور خاصة، نقول: من الذي أحلها هنا وحرمها هنا؟ هم بعقولهم الفارغة يكذبون على الله ويشرعون تشريعات باطلة، فيقول الله سبحانه:((وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ)) أي: تصيب قريشاً، وتصيب العرب، ((مصيبة)) أي: عذاب من عند الله، ((بما قدمت أيديهم)) أي: من كفر وشرك بالله، فإذا حدث شيء:{فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا}[القصص:٤٧]، هذا كلامهم وهذه حجتهم، لم نكن نعرف شيئاً، لو أرسلت إلينا رسولاً لاتبعنا آياتك:((فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ))، والإنسان في تمنيه يقول ما يشاء، ولكن المحك والاعتبار بما يحدث في الواقع، فالآن نقول لكم: هذا الرسول قد جاء إليكم فماذا أنتم فاعلون؟ هل ستتبعونه أم لا؟ وقبل إتيان الرسول يخبر الله عز وجل أنه لو تركهم من غير رسول وعذبهم فإنهم يستحقون العذاب، ويوم القيامة سيقولون: لو أرسلت إلينا رسولاً، والله أعلم من الذي سيصدق ومن الذي سيكذب؟ ها نحن أرسلنا إليكم رسولاً، ومع ذلك كذبتموه، فهؤلاء عندما يبعثون يوم القيامة سيقولون:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}[المؤمنون:١٠٧]، أي: أخرجنا من النار ولو رجعنا إلى الكفر والشرك فإنا ظالمون، فالله أعلم بما في قلوب عباده، وما الذي يستحقونه، لو عذبهم فهو غير ظالم لهم سبحانه، ولو رحمهم فبفضله وبكرمه سبحانه.