قال سبحانه:{وَلا نِسَائِهِنَّ}[الأحزاب:٥٥] أي: النساء المؤمنات.
فإذا كانت المرأة فاسقة يخشى منها عند دخولها أن تتطلع وتخرج فتحدث، فيجب أن تستتر المرأة منها، فالمرأة المؤمنة هي التي تدخل على المرأة؛ فإذا كانت المرأة التي تدخل عليها مشهورة بالفجور، أو مشهورة بالكلام في ذلك، وأنها تطلع على العورات وتخرج فتحدث بما رأت؛ فهذه لا تجلس معها، بل تستتر منها حتى لا تصفها، لكن الأصل أن المرأة تدخل مع المرأة وتجلس معها، ويجوز أن تنظر إلى ما عدا العورة منها، وهي من السرة إلى الركبة بالنسبة للمرأة مع المرأة.
وأخذ بعض أهل العلم من قوله سبحانه:{وَلا نِسَائِهِنَّ}[الأحزاب:٥٥] أن المقصود نساء المؤمنات، وأنه احتراز من نساء الكافرات، فقالوا: لا يجوز للمرأة المؤمنة أن تجلس مع المرأة الكافرة، بل تستتر وتحتجب منها.
وهذا القول فيه نظر، والصواب خلافه؛ لأن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تدخل إليها امرأة يهودية، ولم يذكر الرواة في الحديث أن السيدة عائشة كانت تحتجب منها، ولو كانت تحتجب منها لعلمنا ذلك من رواة هذا الخبر.
وفي الحديث أن امرأة يهودية دخلت على عائشة وقالت لها:(تعوذي بالله من عذاب القبر)، فقالت: أو في القبر عذاب؟ وكان إلى ذلك الحين لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم أن في القبر عذاباً، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:(إنما تعذب اليهود) ثم أوحى الله عز وجل إليه يعلمه بأن في القبر عذاباً، وأنه يكون حفرة من حفر النيران أو روضة من رياض الجنة، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وعلم أمته.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: لـ عائشة: احتجبي منها، فيكون قوله تبارك وتعالى:{وَلا نِسَائِهِنَّ}[الأحزاب:٥٥] على الغالب، فإنه في الغالب لا يدخل على المؤمنة من النساء إلا النساء المؤمنات، لكن إذا كانت المرأة مشهورة بالفجور ومعروفة بكثرة الكلام، وأنها تدخل وتنظر وتخرج فتحدث الرجال، فلا تدخل هذه المرأة على النساء لئلا تكشف عوراتهن.