[تفسير قوله تعالى:(ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر)]
تنزل الآية كاملة:((وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ))، هذا سليمان بن داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام، سخر الله لداود أشياء، وسخر لسليمان غيرها، وقبل ما نذكر سليمان على نبينا وعليه الصلاة والسلام، نذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر من معجزات داود النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام أنه خفف عليه الزبور، وكان كتاباً عظيماً كبيراً، فكان داود صلوات الله وسلامه عليه يقرأ الزبور مع جمال صوته، والجبال ترجع معه، والطير تقف مشدوهة من جمال صوته، ومن كلامه الجميل، ومن مناشدته ربه سبحانه، ومن استغفاره وتسبيحه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(خفف على داود القرآن فكان يأمر بدابته فتسرج) أي: أنه لا يوجد شأن لداود في ذلك، وإنما هو فضل من الله سبحانه وتعالى، فيخفف على من يشاء، فهذه معجزة، وانظر إلى حالك وأنت تقرأ سورة كم ستأخذ من الوقت؟! ربما تأخذ منك عشر دقائق أو ربع ساعة إذا كنت تتقن القراءة، وداود كان يقرأ الزبور كله متقناً له في وقت يسير، قال صلى الله عليه وسلم:(فكان يأمر بدابته فتسرج) يعني: سيأخذ منه التجهيز قدر ربع ساعة أو نصف ساعة فيكون هو قد قرأ الزبور كله في خلال هذه الفترة! هذا الحديث في صحيح البخاري، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(خفف على داود القرآن، فكان يأمر بدابته فتسرج، فكان يقرأ القرآن قبل أن تسرج دابته، وكان لا يأكل إلا من عمل يده).
وذكر الله عز وجل من فضله على داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام أن قال:{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}[ص:٢٠] كل هذا ليشد الله سبحانه وتعالى ملك داود، فكان بنو إسرائيل مع أنبيائهم وملوكهم في غاية الروغان وعدم الاتفاق والائتلاف، فكانوا يختلفون ويحسد بعضهم بعضاً، ويكيد بعضهم لبعض، فشد الله عز وجل ملكه بما أراهم من الآيات فخافوا منه هيبة؛ لأنه الملك، وأيضاً لأنه نبي، والله ينبئُه بالغيب.
من ذلك: ما رواه ابن جرير الطبري عن ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما: أن رجلين تداعيا إلى داود عليه السلام في بقر، ادعى أحدهما على الآخر أنه اغتصبها منه، فأنكر المدعى عليه، يعني: رجل يدعي أن فلاناً اغتصب مني بقري، فالآخر أنكر ذلك، فأرجأ أمرهما إلى الليل، فالأمر خاف عليه، ولا يوجد شهود ولا أحد يوضح ذلك، فداود أرجأ أمرهما إلى الليل حتى يدعو ربه سبحانه أن يبين له ذلك، فلما كان الليل أوحى الله عز وجل إلى داود أن يقتل المدعي، وهذا قضاء عجيب جداً، الوحي من الله عز وجل لداود: أن هذا الذي جاء ليقول: فلان أخذ بقري اقتله، فقام داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام لما أصبح وقال له داود: إن الله قد أوحى إليّ أن أقتلك أيها المدعي! يعني: هو في الظاهر مظلوم، فلماذا أمر الله عز وجل بقتله؟ قال: فإني قاتلك لا محالة فما خبرك؟ يعني: أنت ستقتل ستقتل، لكن اعترف بالصواب؛ لأن الله أوحى إليّ بذلك، قال: فما خبرك فيما ادعيته على هذا؟ قال: والله يا نبي الله! إني لمحق -يعني: فعلاً هو أخذ بقري وأنا محق- ولكني كنت قتلت أباه قبل ذلك! انظر إلى حكمة الله سبحانه وعدله! جاء الانتقام والقصاص يوماً من الأيام، وهو ليس على باله، وإنما جاء ليشتكي ويقول: أنا مظلوم، حتى يأتي له بالقصاص الأليم، أنت في يوم من الأيام قتلت أَبَا هذا الإنسان، قال: فأمر به داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام فقتل، فَعَظُم أمر داود في بني إسرائيل جداً، وخضعوا له خضوعاً عظيماً، ذكرها ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى:{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ}[ص:٢٠]، فشد الله عز وجل ملكه أي: قوى ملكه بمثل هذه الأحكام العظيمة منه سبحانه وتعالى التي من سمعها عرف أنه نبي، وأنه يوحى إليه من عند الله عز وجل، وأن الذي أوحى إليه بذلك لا يمكن أن يتركه سبحانه وتعالى، ويتعلم منه الإنسان أن الله الحكم العدل سبحانه وتعالى، ومهما ظلم الإنسان وبغى فلن يفلت من الله سبحانه وتعالى، ولابد أن يقتص من الظالم يوماً من الأيام، ولا يحسبن الذين ظلموا أنهم يعجزون ربهم سبحانه، بل ربنا إذا أخرهم إنما يؤخرهم إلى أجل ثم يأتي القصاص منه، ويأتي حكمه وعدله.
نسأل الله عز وجل من فضله ورحمته، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل الكفار والكافرين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.