[تفسير قوله تعالى: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم)]
قال تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ} [العنكبوت:٣١].
إذاً: رسل الله وهم الملائكة عليهم السلام جاءوا في البداية إلى إبراهيم، وقد ذكرنا قبل ذلك أن لوطاً كان مع إبراهيم، وأن الاثنين خرجا من العراق، فهاجر مع إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأتيا إلى ديار الشام، أو أتيا إلى فلسطين، وبعد المجيء إلى فلسطين توجه الاثنان إلى مصر، ثم رجع كل واحد ومعه من الغنم والإبل والمواشي ما ضاقت الأرض عن الاثنين، فالمكان الذي فيه إبراهيم لا يسع أن يكون فيه إبراهيم ولوط، غير أن هذا نبي وهذا نبي ولا يكون نبيان في مكان واحد، بل يتوجه كل نبي إلى مكان ليدعو القوم إليه.
فتوجه لوط عليه الصلاة والسلام إلى قرى قوم لوط ليدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى وكانوا مجموعة من القرى منها سدوم وعمورة وصوغر، وهذه القرى كانت جنوب البحر الميت.
ويذكر ربنا سبحانه أن الرسل الذين هم الملائكة في طريقهم إلى لوط جاءوا إلى إبراهيم، فقال هنا ربنا: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [العنكبوت:٣١] أي: جاءوا فبشروه.
وذكر في غير هذه السورة أنهم لما جاءوا إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام دعاهم ليكرمهم ويطعمهم، وتوجه إلى بيته وجاء بعجل حنيذ فقربه وقدمه لهم {فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} [هود:٧٠] فهو لم يكن يعرف أنهم رسل الله، ولم يكن يعرف أنهم ملائكة، فلما لم يأكلوا الطعام تبين بعد ذلك أنهم ملائكة.
فقالوا لإبراهيم: إنا مرسلون لأهل هذه القرية لنهلكها، وقال سبحانه هنا: (ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى) أي: بالبشارة أن يولد له عليه الصلاة والسلام، وأقبلت امرأته في صرة وقالت: عجوز عقيم، فأخبروها وبشروها بفضل من الله عز وجل أنه سوف يولد لها ولد.
فلما تعجبت: {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} [هود:٧٣] فجاءت البشرى لإبراهيم بأنه سيولد له من سارة التي كانت عقيماً وكانت عجوزاً جاوزت الثمانين من عمرها وإبراهيم قرب المائة من عمره عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:٢٨] وقد بشر قبل ذلك بالغلام الحليم فكان إسماعيل عليه الصلاة والسلام، والآن بشروه بالغلام العليم وهو إسحاق، فجاءت البشرى، ثم أخبروه أنهم متوجهون إلى قرى قوم لوط ليهلكوهم.
وهذه الآية أيضاً فيها قراءات: ففي قوله: (جَاءَتْ) ثلاث قراءات: يقرؤها بفتح الجيم الجمهور.
ويقرؤها بالإمالة ابن عامر بخلف هشام.
ويقرؤها حمزة وخلف: (ولما جيئت).
وقوله تعالى: (رُسُلُنَا): يقرؤها الجمهور بضم السين.
ويقرؤها أبو عمرو (رسْلنا) بتسكين السين ورفع اللام.
وقوله: (إِبْرَاهِيمَ) فيها قراءتان: قراءة الجمهور: (إبراهيم).
وقراءة ابن عامر بخلف هشام: (إبراهام).
وقوله تعالى: (بِالْبُشْرَى) يقرؤها الجمهور بالفتح.
وورش يقرؤها على التقليل.
وأبو عمرو وحمزة والكسائي وخلف يقرءونها بالإمالة.
فقال الملائكة: (إنا مهلكو أهل هذه القرية) أي: سنهلك قرى سدوم بسبب ظلم أهلها.