للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فلما جاءهم الحق من عندنا أتبعه إن كنتم صادقين)]

قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص:٤٨].

يعني: الخلق لا يعجبهم شيء، الله يهديهم وينزل عليهم الرسالة ويرسل إليهم الرسول ولا يعجبهم ذلك، فيطلبون من الله تعنتاًَ ويقولون: {لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى} [القصص:٤٨] يعني: هو جاء لنا بقرآن، فنحن نريد أن نرى معجزات، وذلك بأن يأتي لنا بعصا تنقلب ثعباناً، نريد أن نرى يداً تبقى بيضاء مثل الشمس، نريد أن نرى كذا ((لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى)).

كذلك اليهود قالوا هذا الشيء لما أمروا بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والدخول في دينه، والعجب أنهم كانوا يعرفونه قبل أن يبعث صلوات الله وسلامه عليه، يعرفون صفاته بما قرءوه واطلعوا عليه في كتبهم، بل كانوا يتوعدون المشركين بأنه سيبعث رسول، وأنهم سيقاتلون مع هذا الرسول في هذا الزمان، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كانوا أكثر خلق الله عداوة وبغضاً للنبي صلوات الله وسلامه عليه وللمؤمنين، فقال الله سبحانه في هؤلاء المشركين واليهود الذين قالوا: ((لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى) قال الله سبحانه: ((أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ)) يعني: هؤلاء لم يصدقوا موسى من قبل.

فاليهود ينجيهم الله سبحانه فيكذبون موسى، ولما ذهب موسى لميقات ربه قالوا: ضل موسى عن ربه، وهذا رب موسى عندنا، وذلك لما صنع لهم السامري العجل، {فأخرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:٨٨]، يعني: موسى نسي إلهه وذهب يبحث عنه فوجدناه أمامنا.

فهؤلاء عبدوا العجل الذي صنعه لهم السامري من دون الله، أليس هؤلاء هم الذين رأوا الآيات التي نزلت على موسى، ومع ذلك كفروا فعبدوا العجل من دون الله سبحانه؟ فاستحقوا عقاب الله، فأمرهم بأن يقتل بعضهم بعضاً بما كفروا وكذبوا على الله سبحانه، فقال الله في الجميع: {أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ} [القصص:٤٨]، قوله: ((قالوا سحران)) يعني: التوراة والقرآن سحران اجتمعا مع بعضهما، فلا نصدق هذا ولا ذا، هذا قول المشركين.

قوله: ((قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ)) هذه فيها قراءتان: قراءة الكوفيين عاصم وحمزة والكسائي وخلف: ((سحران تظاهرا)) يعني: التوراة والقرآن.

وقراءة باقي القراء: ((ساحران)) وهم يقصدون محمداً صلى الله عليه وسلم وموسى عليه الصلاة والسلام، أو محمداً وعيسى عليهما الصلاة والسلام.

((قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا)) اجتمع بعضهما إلى بعض، ((وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ) فقال مشركو العرب عن موسى وعن محمد عليهما الصلاة والسلام: سحران أو ساحران تظاهرا، وهذا قول ابن عباس رضي الله عنهما، أما اليهود فقالوا ذلك عن موسى وعن هارون: ((قالوا ساحران تظاهرا)) ثم صدقوا بهما بعد ذلك.

أو أن المشركين وكذلك اليهود يقولون ذلك عن المسيح وعن محمد صلوات الله وسلامه عليهما، فيقول اليهود عن المسيح: ليس هو المسيح الذي يبعثه الله، وكذلك قالوا عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، فجمع الله أقوال الجميع، ((قالوا سحران)) يعني: عن كتب الله سبحانه التوراة والقرآن، أو عن رسولين من رسل الله: محمد صلوات الله وسلامه عليه والمسيح، أو محمد وموسى.

فإذاً: اليهود كذبوا بالمسيح وكذبوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأهل مكة الكفار كذبوا النبي صلى الله عليه وسلم ومن قبله من الرسل ولم يتبعوا أحداً منهم، ((وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ)).

فقال الله سبحانه للجميع: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} [القصص:٤٩]، أي: أنتم تقولون: إن الرب الذي في السماء خلق كل شيء، وتعبدون الأصنام حتى تقربكم إلى الله، فأين دليلكم على ذلك، هاتوا كتاباً من الله يدلنا على أنكم صادقون فيما تقولون؟.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>