للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حكم إبداء المرأة لزينتها أمام النساء]

إن مسألة إبداء الزينة أمام الكافرات أنواع: أما إبداء البدن كله فهذا محرم، فلا يجوز لا أمام مسلمة ولا أمام كافرة.

وأما أن تخفي المرأة ما بين السرة إلى الركبة وتبدي غير ذلك أمام امرأة مسلمة فهذا جائز، وأما أمام الكافرة فتمنع المرأة من هذا الشيء، وأما ثياب المهنة التي تلبسها في بيتها أمام أبيها أخيها وأقاربها ومحارمها الذين ذكرهم الله عز وجل فقد اختلف أهل العلم في ذلك: فذهب الشافعي وغيره: إلى المنع من ذلك.

فقد ذكر الإمام النووي وغيره أن المرأة المسلمة لا تبدي زينتها أمام امرأة كافرة في ذلك.

وذهب الحنابلة وغيرهم: إلى أنه لا فرق بين ما تبديه المرأة المسلمة أمام المسلمة وبين ما تبديه أمام المرأة الذمية، كما أنه لا فرق بين ما يبديه المسلم أما المسلم وبين ما يبديه أمام الذمي.

وجاء عن الإمام أحمد روايتان في هذه المسألة.

فقال: أنا أذهب إلى أنها لا تنظر إلى الفرج، ولا تقبلها حين تلد.

أي: أن المرأة الكافرة لا تكون لها قابلة إذا وجدت الطبيبة المسلمة أو الداية المسلمة، فإن لم يوجد غيرها واحتيج إلى ذلك فلا بأس، ولو اضطرت إلى الذهاب إلى طبيب ذهبت إلى الرجل الطبيب المسلم.

أي: أن الأمر في التطبيب مع الحاجة، فقد تذهب المرأة إلى الطبيبة المسلمة، وإذا لم تجد ذهبت إلى الطبيبة الكافرة، وإذا لم تجد ذهبت إلى الطبيب الذكر المسلم.

وجاء عن الإمام أحمد رواية أخرى، وهي: أن المسلمة لا تكشف قناعها عند الذمية.

والقناع هو: الغطاء الذي تجعله المرأة فوق رأسها تستر به رأسها ومحاسنها.

فقال: لا تكشف قناعها عند الذمية، ولا تدخل معها الحمام، والخوف من دخول الحمام خوفاً من التجرد، فإن المرأة قد تستهين بأمر دينها فتخلع ثيابها كما يحدث الآن، فقد صارت المرأة تخلع ثيابها في البحار أمام الرجال والنساء، ولا تفرق بين شيء وشيء، فنهى العلماء عن ذلك؛ خوفاً مما يحدث بعد ذلك، فلعل المرأة المسلمة تتجرد أمام المرأة الكافرة، فتصورها وترسلها لغيرها لتفضحها بها.

ولعلها إذا تجردت أمام الكافرة يكون في نفسها شيء من شهوات النساء الباطلة أو الشذوذ، فتقع معها في السحاق، والعياذ بالله.

أو تدعوها إلى مثل ذلك.

فإذاً تستتر المرأة ولا تبدي زينتها أمام هؤلاء، وأما إذا كان لا يقصد إلى هذا الشيء فالراجح: أن ما تبدو به أمام المرأة المسلمة جاز لها أن تبدو به أمام غيرها، ولكن الأحوط أن تحتاط المرأة لنفسها، فإذا عرفت عن هذه أنها تتكلم في أمر النساء، أو يخشى من شهوتها، أو ثرثرتها، فإنها تستتر، ولا تدخل أمثالها على بيتها.

قال ابن قدامة رحمه الله: والأول أولى.

وهو أنها تبدو أمام الكافرة بثياب الزينة وبما يجوز لها أن تظهره أمام المسلمة، قال: لأن النساء الكوافر من اليهود وغيرهن كن يدخلن على نساء النبي صلى الله عليه وسلم.

يعني: كان بعض نساء اليهود يدخلن على السيدة عائشة رضي الله عنها، ولم ينهاها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت أنه أمرها أن تحتجب من هذه المرأة، قال: فلم يكن يحتجبن ولا أمرن بحجاب، وقد جاء أن امرأة يهودية جاءت إلى عائشة رضي الله عنها: تسألها شيئاً، أي: تطلب منها إعانة، فدعت للسيدة عائشة وقالت: أعاذك الله من عذاب القبر.

فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله عز وجل عليه بعد ذلك (إنكم تفتنون في قبوركم، فكان يتعوذ بالله عز وجل من عذاب القبر).

يعني: إلى هذا الحين لم ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر ولم يوح إليه في أمر عذاب القبر بشيء، حتى دخلت المرأة اليهودية على السيدة عائشة ودعت لها بذلك.

فسألت السيدة عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عن قول اليهودية فأنزل الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: (إنكم تفتنون في قبوركم.

وقال: إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم، فكان يتعوذ بالله من عذاب القبر)، صلوات الله وسلامه عليه.

وكذلك قالت أسماء وهي أخت عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهم: (قدمت علي أمي وهي راغبة، يعني: في الإسلام، أو: راغبة عن الإسلام، أو: راغبة في صلة من الصلات، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أأصلها؟ فقال: نعم)، وقد كانت أم أسماء غير أم عائشة، فأم عائشة اسمها أم رومان وقد كانت مؤمنة مسلمة، وأما أم أسماء فكانت كافرة، فجاءت تزور أسماء وهي كافرة، فلما جاءت أرسلت أسماء لتسأل النبي صلى الله عليه وسلم: هل تستقبلها وهي كافرة؟ فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تستقبلها؛ فإنها أمها.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يأمرها هنا أن تحتجب منها.

وهنا قد يقال: هي أمها، والمرأة لا تحتجب من أمها، إلا ما لا يجوز لها إظهاره أمام الأم.

ولكن اليهودية التي دخلت على عائشة رضي الله عنها لم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحتجب منها، ولم يثبت عنه مثل ذلك.

قالوا: فعلى ذلك لا يثبت الأمر بالحجاب إلا بنص من كتاب أو سنة، وهذا ليس فيه ذلك، فعلى ذلك فقوله سبحانه: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور:٣١] يحتمل أن يراد به جملة النساء، يعني: من يدخل على المرأة من النساء سواء كن من أقارب المرأة، أو غريبات عنها، أو إمائها مسلمات أو كافرات، أو كن حرائر من ذميات أو نحو ذلك، فيجوز للمرأة أن تظهر أمامهن كلهن بثياب زينتها، ولكن لا تتجرد أمامهن، وعليها أن تستر أمام النساء ما بين سرتها إلى ركبتها، وتستتر أكثر من ذلك أمام النساء الكافرات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>