[تفسير قوله تعالى:(وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى وجعلني من المكرمين)]
فلما قال لهم الرسل ذلك، أرادوا إيذاء الرسل، وبلغ الخبر لرجل ممن آمن بهؤلاء الرسل، يسمى ب حبيب النجار وكان نجاراً، وقيل: كان إسكافياً صانع أحذية، وكان يصنع الأصنام للناس، وعبدها سنين طويلة من دون الله سبحانه، ثم جاءه رسل المسيح عليه الصلاة والسلام فدعوه إلى الله سبحانه، وكان مجذوماً، فدعوا له الله سبحانه فشفي.
فما سمع خبر إيذاء المرسلين، جرى إليهم مسرعاً، وقال:{يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[يس:٢٠ - ٢١] فهؤلاء الرسل لم يطلبوا منكم مالاً، ولا مناصب، إنما جاءوا ليدعوكم إلى الرب سبحانه.
قال:{وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس:٢٢]، قد ذكرنا أنه أطال معهم في الكلام لعلهم يستجيبون، ولعلهم يخففون عن الرسل فلا يقتلونهم.
فقالوا له: وأنت كاذب، ثم قتلوه.
قال الله تبارك وتعالى عن هذا الإنسان المؤمن:{وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[يس:٢٢ - ٢٤].
وبعد هذا الحوار الطويل الذي لم يسفر عن فائدة قال:{إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}[يس:٢٥] فكشف عن حقيقة أمره، وأنه مؤمن مع هؤلاء الرسل.
{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ}[يس:٢٦]، كأنه مجرد أن كشف عن حقيقة أمره أنه مؤمن قتلوه حالاً.
وقد جاء ابن مسعود رضي الله عنه أنهم داسوه بالأقدام حتى قتلوه.
فلما قتل إذا بالله عز وجل يدخل روحه الجنة ويكون شهيداً عند الله سبحانه، فلما رأى الجنة والنعيم الذي عند الله سبحانه تحسر على قومه، وقال:{يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}[يس:٢٦ - ٢٧].
أي: يا ليت قومي يعلمون بمغفرة ربي لي، وكيف صنع بي في هذا النعيم المقيم، وهذه الجنات العالية العظيمة.