للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[غدر يهود بني قريظة وعدواتهم للإسلام]

خرج المسلمون إلى بني قريظة، واليهود من طبعهم أنهم لا يقاتلون المسلمين مواجهة، وإنما من خلف الحصون والجدران، فيرمون بالسهام والرماح على المسلمين من خلف هذه الحصون التي يتحصنون بها، قال تعالى: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر:١٤] فتحصنوا في حصونهم، فتوجه النبي صلى الله عليه وسلم فحاصرهم في قريتهم، وكان الحصار شديداً.

وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه المسلمين إلى هناك، فلما وصل إليهم علي سمعهم يشتمون النبي صلى الله عليه وسلم، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه أراد منه ألا يذهب هو إليهم.

فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ألا تبلغ إليهم.

فهو رضي الله عنه عرض للنبي صلى الله عليه وسلم ولم يفاجئه بأن اليهود يشتمونه، وهذا أدب منه رضي الله عنه وأرضاه.

فالنبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى قال: (أظنك قد سمعت منهم شتمهم لي).

فهو رضي الله عنه لم يرد للنبي صلى الله عليه وسلم الذهاب إليهم، فقال النبي (لو رأوني لكفوا) أي: لو رأوه لكفوا عن سبهم وشتمهم ولخافوا؛ لأن الله عز وجل نصره بالرعب الذي ألقاه على هؤلاء اليهود.

وفعلاً نهض إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه أمسكوا عن السب والشتم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، فقال لهم: (نقضتم العهد يا إخوة القردة! أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته)، فقالوا: ما كنت جاهلاً يا محمد! فلا تجهل علينا.

أي: ليس من عادتك أن تشتم يا محمد! بينما هم في الأول كانو يشتمون ثم سكتوا، بعد أن ألقي في قلوبهم الرعب، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم بضعاً وعشرين ليلة، وعرض عليهم كعب بن أسد سيدهم -وكان يعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي ورسول، ولم يرض بشتم هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم - واحدة من ثلاث خصال: إما أن تسلموا وتتبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم والذي جاء به، فتحرزوا أموالكم ونساءكم وأبناءكم، فوالله إنكم لتعلمون أنه الذي تجدونه في كتابكم، وإما أن تقتلوا أبناءكم ونساءكم ثم تتقدموا فتقاتلوا حتى تموتوا، وإما أن تبيتوا المسلمين ليلة السبت، لأنهم سيظنون أننا لا نقاتل يوم السبت.

أي: فنحن ممنوعون من القتال في يوم السبت.

لكن هذا ليس مهماً لأن عادتهم خداع الأنبياء، وبخداعهم هذا يظنون أنهم يخدعون ربهم، فقال: في ليلة السبت نخرج ونقاتل المسلمين، وهم غير متوقعين ذلك منا، وفي ذلك زيادة طمأنينة لهم، فنقتلهم قتلة عظيمة.

فردوا عليه بقولهم: ولا نخالف حكم التوراة، وهو قد حلف لهم أنه النبي الحق الذي سيبعث في آخر الزمان.

قالوا: وأما قتل أبنائنا ونسائنا، فما وزرهم حتى نقتلهم؟ فلا نفعل هذا الشيء.

وأما القتال في يوم السبت فنحن لا نقاتل ولا نتعدى يوم السبت.

<<  <  ج:
ص:  >  >>