للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فنبذناه بالعراء وهو سقيم)]

قال الله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات:١٤٥] أي: ألقيناه وأمرنا الحوت بعدما طاف به في البحار أن يلقيه على جزيرة من الجزر، على أرض من الأراضي، قال تعالى: {وَهُوَ سَقِيمٌ} [الصافات:١٤٥] يعني: خرج من داخل بطن الحوت وهو مريض من الفترة التي مكثها بداخل بطن الحوت.

في هذه الفترة الذي كان فيها مريضاً داخل بطن الحوت كان يصلي لله سبحانه وتعالى، فسمع تسبيح الحصى، وتسبيح الأسماك، وتسبيح الكائنات في البحر، فسبح ربه سبحانه وألهمه الله سبحانه أن يقول هذه الكلمة العظيمة: {لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧].

جاء في حديث رواه الترمذي عن سعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدعُ بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له)، فالله رحمته عظيمة وواسعة، كما استجاب ليونس عليه الصلاة والسلام يستجيب لغيره، قال الله تعالى: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:٨٧ - ٨٨]، إذاً: ليس هو وحده، بل كل مؤمن ننجيه إذا دعانا واستجار بنا، وكان من المسبحين لربه سبحانه تبارك وتعالى.

قوله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ} [الصافات:١٤٥] أي: في مكان لا شجر فيه ولا شيء يستفيد منه ليريه نعمته عليه، فالله أنعم عليه فلا يفعل شيئاً بغير إذنه.

قال الله تعالى: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:١٤٦] الله عز وجل خلق له وأنبت له شجرة من يقطين، واليقطين: القرع، ولليقطين فوائد كثيرة، ففي هذا المكان الذي ليس فيه شجر يستظل بورق اليقطين؛ لأن ورقه كبير له ظل، ونباته يؤكل سواء كان رطباً أو مطبوخاً، ومن ميزاته أن الذباب لا يقرب شجر اليقطين، فكان من الله عز وجل فضلٌ ونعمة على يونس في هذا المكان، قال تعالى: {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الصافات:١٤٦]، فكان يشرب من الماء ويأكل من هذا الشجر حتى صح بدنه ورجع إلى عافيته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>