[تفسير قوله تعالى:(ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه)]
قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:٢٨](ذلك بأنهم اتبعوا) التعليل هنا يخيف صاحب المعصية، فكل إنسان عاص يخاف على نفسه ما الذي سيحدث له عند الوفاة، فهذا هو حالهم، فالله إذا غضب على العبد أخذه أخذ عزيز مقتدر، فيميته على معصية، وإذا أحب الله عبداً ابتلاه عز وجل في الدنيا، ثم يستعمله بفضله وكرمه، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله إذا أحب عبداً عسله، قالوا: وما عسله؟ قال: يوفقه لعمل صالح، ثم يقبضه عليه) نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من هؤلاء الذين يعسلهم الله عز وجل.
والعكس: إذا أبغض الله عز وجل عبداً يجعله في طغيانه وعتوه، ويجعله جباراً عنيداً، حتى إذا أخذه لم يفلته، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}[هود:١٠٢].
قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ}[محمد:٢٨] أي: مشوا وراء معاصي الله عز وجل، فكل شيء يغضب ربهم يفعلونه، في قيامهم أو نومهم وفي لهوهم، وفي أفراحهم ومعاصيهم، فيغضبون الله ويتبعون كل ما يسخطه سبحانه، ويكرهون رضوان الله سبحانه، لا يوجد إنسان يقول: أنا أكره أن أرضي ربي، ولكنهم بأفعالهم يكرهون ما أنزل الله، فإذا قيل: هذه الطاعة، وهذا كتاب الله، وهذه سنة رسول الله، فهو يقول: كل وقت تقول لي: كتاب وسنة، كتاب وسنة! إذاً: هو كاره لهذا الشيء سواء عبر بلسانه أو أعرض بحاله، فحين تذكره بالله يلوي لك ظهره ويمشي كأنه ما سمع، تمر وتذهب للمسجد فتراه وتقول له: ادخل وصل معنا يا فلان، وكأنه ما سمع كلامك، ويلتفت إلى الناحية الثانية، وتسلم عليه عادة فتقول له: السلام عليكم من أجل أن تأتي بعد قليل فتقول له: ادخل صل فلا يرد عليك السلام، وإذا كان جاء من آخر الشارع يدخل البيت فيختبئ حتى لا تقول له: تعال إلى بيت الله عز وجل، فيستغشون ثيابهم، والمنافقون كانوا يغطون حالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا رأوه استغشوا بثيابهم، لا يريدون أن ينظروا إليه، حتى لا يأمرهم بالطاعة، وكذلك فعل الكفار.
قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}[محمد:٢٨](رضوانه) فيها قراءتان: قراءة الجمهور: (رِضوان) بكسر الراء، وقراءة شعبة عن عاصم:(رُضوان) بضم الراء.
قوله:{وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:٢٨] ومحبطات الأعمال كثيرة منها: الشرك بالله عز وجل والكفر بالله سبحانه تبارك وتعالى، كذلك من محبطات الأعمال ترك الصلاة وتضييعها، ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم:(من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله) فالذي يضيع الصلاة يحبط عمله، والذي يضيع صلاة العصر يصاب بحزن يوم القيامة، يساوي حزن إنسان قتل أهله، وضاع ماله، وهذا الحزن لا يستشعره الآن، وإنما يستشعره في يوم القيامة، قال الله عز وجل:{فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد:٢٨] أي: أذهبها وضيعها بسبب كفرهم وبعدهم عن الله عز وجل، وحبهم ما أسخط الله، ويكرهون رضوانه.