وقوله تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:١٥] نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فقد كان باراً بأمه وكانت كافرة، وكان سعد رضي الله عنه يخاف أن يغضب أمه، فلما دخل في دين الله سبحانه وتعالى امتنعت عن الطعام والشراب، وحلفت ألا تأكل طعاماً ولا تشرب شراباً حتى يكفر بدين محمد، أو تموت فيقولون له: يا قاتل أمه؛ لأنك أنت الذي قتلتني بهذا الشيء.
فامتنعت عن الطعام وعن الشراب، واحتار سعد ماذا يعمل معها؟ ولكنه تمسك بهذا الدين العظيم، وذهب إلى أمه وقال لها: لو كان لك عشرة أرواح فخرجت نفساً نفساً على أن أترك هذا الدين ما تركته، فكلي إن شئتِ أو دعي.
أي: فأنتِ حرة في هذا الأمر، ولن أترك هذا الدين لأمرك أنت، ولكن أطيع الله سبحانه تبارك وتعالى، فنزلت الآية تطمئن سعداً في ذلك، قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}[لقمان:١٥] وإن شاءوا أن يأكلوا ويشربوا ليعيشوا أو يموتوا فهذا أمر آخر، ولكن لا تشرك بي، {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:١٥] فتكون المصاحبة بالمعروف، وعدم الطاعة في معصية الله سبحانه وتعالى، وقد جعل لنا سبحانه قاعدة وهي: أن حق الوالدين أن تطيعهما إذا أمراك بطاعة أو بأمر مباح، فإذا أمراك بالبعد عن الله سبحانه وبترك دينه فاحذر من ذلك، فإنه:(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).
ولذلك يقول العلماء: جملة هذا الباب: أن طاعة الأبوين لا تراعى في معصية رب العالمين سبحانه وتعالى، لا في فعل كبيرة، ولا في ترك فريضة من الفرائض، فإذا أمر الأب والأم ولدهما بعدم الصلاة أو بالبعد عن دين الله سبحانه، أو أمر الأب ابنته بالتبرج وحلف إن لم تخلع الحجاب الذي تلبسه فإنه سيخرجها من البيت وكذا، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، سبحانه وتعالى، (إنما الطاعة في المعروف)، فيطيع الابن أباه وأمه في طاعة الله سبحانه وفي المباح، وأما في ترك فرائض الله عز وجل فلا طاعة لأحد في ذلك.
قال الله سبحانه:{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}[لقمان:١٥]، أي: من رجع إلى الله سبحانه.
والمنيبون إلى الله هم رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وكذلك أتباعهم من المؤمنين ومن الأتقياء ومن الأولياء.
قال تعالى:{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[لقمان:١٥] فالمرجع إلى الله عز وجل، وهذه الآية فيها من التحذير ما في الأولى، فإن المصير إلى الله والمرجع إليه، فاعملوا ليوم ترجعون فيه إلى الله سبحانه، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.