[تفسير قوله تعالى:(وقال رجل من آل فرعون يكتم إيمانه)]
قال تعالى:{وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ}[غافر:٢٨] ظهر الآن من يدافع عن موسى عليه الصلاة والسلام، وإن كان يتلطف في ذلك، وهو الرجل المؤمن الذي ذكر الله عز وجل أنه من آل فرعون، وهذا هو الراجح في سياق الآية وما في معناها: أن هذا مؤمن من آل فرعون، من أقباط مصر، فأهل مصر كان يطلق عليهم الأقباط، فهذا الرجل قبطي من أهل مصر، وليس من بني إسرائيل، رجل مؤمن يكتم إيمانه، فقال لفرعون وهو يكتم الإيمان:{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}[غافر:٢٨] والمعنى: ماذا عمل موسى؟ أتحاسبونه على تفكيره؟ أتحاسبونه على كلام يقوله؟ هل فعل فيكم شيئاً؟ أقتل منكم أحداً؟ لم تريدون أن تفعلوا به هذا الأمر؟ {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}[غافر:٢٨]، أي: جاءكم بآيات بينات رأيتموها قبل ذلك، فقد رأى فرعون اليد والعصا، فقد أخرج موسى يده فإذا هي بيضاء للناظرين، وألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين، ثم وجدوا الآيات الأخرى التي ساقها الله عز وجل في سورة الأعراف: السنين، والنقص من الثمرات، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
{وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا}[غافر:٢٨] هنا نلحظ التلطف في الخطاب، فإنه لو قال لهم: أنا مؤمن معه لقتلوه مباشرة، ولكنه تلطف معهم في الخطاب من أجل أن يتدرج معهم في الحجج، فقال لهم: انظروا وتدبروا وتأملوا وتفكروا، لقد أتى لكم بآيات قبل ذلك، آيات بينات، وأنتم رأيتموها، وكنتم تقولون له: ادع لنا ربك، أي: أنه أتى بالآيات هذه من عند ربه، {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا}[غافر:٢٨]، هنا إدخال الشك في نفس الإنسان المجادل المخاصم، فهو يقول لهم: إذا فرضنا جدلاً أن موسى هذا كان كذاباً فذنبه على نفسه، أما إذا كان صادقاً فكيف يكون الأمر؟! ففكروا فيما جاءكم به، {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}[غافر:٢٨].
ومؤمن آل فرعون هذا قيل: اسمه حبيب النجار، وقيل: اسمه شمعان، أو حزقيل، لكن لا يهمنا اسمه، وإنما الذين يهمنا هو فعله العظيم الجميل، وجداله بالتي هي أحسن مع هؤلاء، والتدرج معهم في البيان حتى يقبلوا منه هذه الحجة أو يرفضوها، فيقول لهم:{أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}[غافر:٢٨].
يقول لهم: موسى عليه الصلاة والسلام لم يذنب، فما الذنب الذي جناه حتى تقتلوه؟ {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}[غافر:٢٨] فتفكروا في الآيات واتركوا ما يقوله الآن، ولكن انظروا في الآيات، ولذلك لمعرفة أي رسول أنه رسول لابد أن يأتي بآية، فإذا أتى بمعجزة يقهر بها البشر، ويرون أنه صادق فيما يقول، وأنهم لا يقدرون أن يأتوا بمثل ما أتى به؛ فيلزمهم أن يصدقوه فيما يقول، أي: أن للناس على أي رسول أن يقولوا: هات آية تثبت أنك رسول من عند رب العالمين، فيأتيهم بمعجزة يتحداهم بها، معجزة يتحدى بها القوم ويعجزهم أن يأتوا بمثلها، فإذا غلبوا فيلزمهم أن يصدقوا وأن يؤمنوا بما جاء به من شريعة من عند رب العالمين.
ولهذا قال:{وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}[غافر:٢٨]، ثم افترضوا:{وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ}[غافر:٢٨]، أي: إذا كان يكذب على الله فالله عز وجل سوف يحاسبه ويعاقبه، ولو كان صادقاً {يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}[غافر:٢٨]، وهو يعدكم بالجنة في الآخرة فسوف يصيبكم من الجنة، ويعدكم في الدنيا بأن يؤتيكم الله الثمرات ويؤتيكم البركات ويؤتيكم الخير، فسوف يصيبكم بعض الذي يعدكم من خير ومن نعم من الله عز وجل.
{إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ}[غافر:٢٨] أي: على نفسه في معصية الله سبحانه وتعالى بسفك الدماء، أو بفعل الحرام، {كَذَّابٌ}[غافر:٢٨] أي: مفتري، يفتري على الله سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.