((ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً)) النطفة تتحول إلى علقة، فهذه النطفة الملقحة تلتصق في جدار الرحم، مثل النبات الذي له جذر يمص بجذره الماء الذي يغذيه، وكذلك هذه النطفة تصير كالعلقة تعلق بجدار الرحم، وتأخذ منه ما يغذيها من الدماء.
(فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) العلقة تتحول إلى مضغة، وهي صغيرة جداً، وهي كهيئة قطعة اللحم الممضوغة، وتوصف في الكتب العلمية كأنها لبانة ممضوغة، فيها آثار الأسنان.
قال الله:(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) تتحول هذه المضغة إلى عظام، والله عز وجل ذكر العظام قبل اللحم، وكان المعروف عند علماء الطب إلى عهد قريب أن اللحم يتكون في البداية ثم العظم بعده، ولكن الله عز وجل ذكر العظم ثم اللحم بعده، وهذا الذي اكتشفوه حديثاً أن العظام تتكون في البداية ثم بعد ذلك اللحم.
وكانوا قبل أكثر من قرن يقولون: إنه يتكون اللحم ثم العظم، ثم بعد ذلك قبل سنوات قريبة قالوا: يتكون العظم واللحم معاً، ثم اكتشفوا أن العظم يتكون الأول ثم اللحم بعد ذلك، وهذا قد ذكره الله عز وجل هنا، وهم قالوا: إن الفرق بين خلق العظم واللحم وقت يسير جداً لا يكاد يلاحظ؛ ولذلك كانوا يعتقدون أن العظم واللحم يتكونان سوياً.
قال الله:{فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ}[المؤمنون:١٤]، في هذا الطور تكون المضغة المخلقة وغير المخلقة، وتكون الغضاريف التي فيها العمود الفقري والرأس، ثم يتحول إلى خلق آخر وهو خلق الجنين على الهيئة المعروفة في بطن المرأة، فيه اليد، وفيه الرجل، والرأس، والعين، والأنف، (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).
وقوله سبحانه:(فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) هذه قراءة الجمهور، وقرأها ابن عامر وشعبة عن عاصم:(فخلقنا المضغة عظماً فكسونا العظم لحماً).
وخلق الجنين خلق عجيب، ففي مرحلة من المراحل لا تميز بين هذه المضغة التي تكون في الإنسان أو الحيوان حتى يحوله الله عز وجل خلقاً آخر متمايزاً، فيتميز الإنسان عن غيره من الحيوانات في المراحل التي بعد ذلك، قال الله:(ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ)، عندما يسمع الإنسان ذلك لا يسعه إلا أن يقول:(فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) أي: كثرت بركة رب العالمين سبحانه وتعالى، وتمجد الله سبحانه في بديع صنعه، وعظيم ما خلق سبحانه.