[تفسير قوله تعالى:(وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)]
قال الله تعالى {وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ}[سبأ:٥٢].
يعني: بالقرآن، متى قالوا هذا الشيء؟ قالوه لما بعثوا يوم القيامة ورأوا العذاب، حينما قالوا: آمنا وصدقنا ربنا، فأرجعنا مرة أخرى إلى الدنيا، فإن عدنا فإنا ظالمون، فيقول الله سبحانه وتعالى:((وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ)) أي: آمنا بالوحي وآمنا بالقرآن وآمنا بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأنى لهم تناول الإيمان من مكان بعيد؟ الآخرة بعيدة جداً، انتهى أمر الدنيا فلا رجعة مرة ثانية، فهم يقولون حين يعاينون العذاب: آمنا يا ربنا، و (أنى) أي: كيف، ومن يأتيهم بذلك؟ قوله:((وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ)) هذه قراءة الجمهور، وقراءة أبي عمرو وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف (التناؤش) بالهمزة فيها، والتناوش بمعنى التناول، وكأنه يضرب مثلاً لشيء نراه في الدنيا، لو أن إنساناً أدلى حبلاً من عمارة عالية جداً فوصل نصف المسافة ويوجد إنسان على الأرض يريد أن يتناول هذا الحبل فهو يقفز حتى يمسك بهذا الحبل ولا يقدر، فأين الآخرة من هذه الدنيا؟ ((أَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ)) أي: كيف لهم تناول الإيمان والرجوع إلى هذه الدنيا مرة ثانية وقد بعدوا؟ مستحيل أن يعودوا إلى الدنيا مرة ثانية، ومستحيل أن يقبل منهم ذلك من مكان بعيد.