تفسير قوله تعالى: (ونزعنا من كل أمة شهيداً)
قال سبحانه: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا} [القصص:٧٥].
أي: جئنا من كل أمة بشهيد وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيؤتى من كل أمة بشهيد ينادي عليه تعالى: اشهد على قومك، أبلغت هؤلاء؟ فيقول الرسول: نعم.
أي رب.
فيسأل الأقوام المكذبين: أبلغكم هذا؟ فيقولون: لا.
فيقال لهذا الرسول عليه الصلاة والسلام: من يشهد لك؟ فيقول: أمة محمد صلوات الله وسلامه عليه! فتشهد أمتنا على الأمم، وعلى أن رسلهم قد بلغوا، وكانت شهادتنا عليهم بما في هذا القرآن، فقد أخبرنا الله عز وجل عن دعوة الأنبياء لقومهم وتكذيبهم لأنبيائهم ومن ذلك: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [المؤمنون:٢٣]، {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٦٥]، {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٧٣].
ثم يؤتى بنبينا صلوات الله وسلامه عليه فيشهد علينا وعلى الجميع.
قال سبحانه: {وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا} [القصص:٧٥] لهؤلاء المشركين: {هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} [القصص:٧٥] أي: هاتوا ما تحتجون به من أثر، أو من يشهد لكم أنكم كنتم على صواب.
قال: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} [القصص:٧٥] فلما انعدمت حجتهم استيقنوا أن ما كانوا يقولونه باطل، وإن كانوا يزعمون في الدنيا أنه حق، وينصرونه لا بقوة حجتهم ولكن بقوة أبدانهم وأسلحتهم، فيلزمون غيرهم بما يقولونه من باطل، ويستخفون بهم، قال الله سبحانه: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} [القصص:٧٥]، ومعلوم أن يوم القيامة لا باطل فيه، وهم يوم القيامة يستيقنون أن الحق لله وحده ويصدقون به، ولكن حين لا ينفع التصديق، ويندمون حين لا ينفع الندم.
قال سبحانه: {فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ} [القصص:٧٥]، والعلم بمعنى: اليقين، أي استيقنوا الآن أن الكلام الحق كلام رب العالمين، وقد كانوا في الدنيا يعرفون ذلك ولكن يتكلمون بالباطل ويزعمون أن معهم حججاً وبراهين.
يقول الله سبحانه: {وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [القصص:٧٥]، ((وَضَلَّ))، بمعنى: تاه، وذهب عنهم، يقف الواحد منهم في الدنيا يتكلم ويتهم المؤمنين بأنهم هم المتزمتون والمتشددون وأنهم هم أهل الباطل، وأنهم رجعوا للعصور الوسطى والكتب الصفراء.
وقد يجد من يقبل منه مثل هذا الكلام الباطل، رغم أنه محض كذب، ومن يستمع إليه إنما يفعل ذلك اليوم، أما يوم القيامة فلا قوة إلا لله سبحانه، ولا حيلة لأحد يوم القيامة مع الله سبحانه وتعالى، فظهر الحق جلياً، وضاع منهم وتاه عنهم ما كانوا يختلقونه ويفترونه في الدنيا، وما كانوا يكذبونه، فبهتوا يوم القيامة وندموا على ما قدموا، {وضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [القصص:٧٥].