[تفسير قوله تعالى: (لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد: قال الله عز وجل في سورة الشورى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ * وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الشورى:٤٩ - ٥١].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى بعظيم ملكه سبحانه وقوته وقدرته، قال سبحانه وتعالى: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي: يملك كل شيء؛ فالسموات خلقها الله سبحانه والأرضون من خلقه، فهو الذي خلقها وهو الذي دبر أمرها، وهو الذي أوجد الخلق فيها، فالله يملك كل شيء.
(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) فهو سبحانه وتعالى يخلق ما يشاء، وقال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤]، فلله عز وجل الخلق، وهو خالق كل شيء، ولله عز وجل الأمر، يأمر بما يشاء في خلقه.
وقوله: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) فخلقه فيهم الصغير والكبير، وفيهم الذكور والإناث، وفيهم الجميل والدميم، فهم على ما شاء الله عز وجل، فيرينا خلقه ويرينا آياته، حتى نتعظ، وحتى نعتبر، وحتى نعلم أن الخالق هو الله وحده لا شريك له، الذي يستحق أن يعبد وحده، فكما أن له الخلق فكذلك له الأمر، وهو الذي يشرع، ولذلك قال: ((أَلا لَهُ)) وحده سبحانه، ((الْخَلْقُ)) فإذا سئل الإنسان: من الذي يخلق؟ فيقول: الله، من الذي يرزق؟ يقول: الله، من الذي يُعبد؟ يقول: الله، فالله هو الذي له الخلق وله الأمر على خلقه، قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:٢٣]، فأمرهم بعبادته، فكما أن له الخلق وهو المتفرد به فكذلك له الأمر؛ يتفرد بالتشريع لخلقه، ويتفرد بأن يعبد وحده لا شريك له.
قال تعالى هنا: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) ثم أرانا شيئاً من ذلك حتى نتعظ ونعتبر فقال: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ).
فالله خالق كل شيء سبحانه، مدبر كل أمر سبحانه، يخلق ما ينتظم الكون به، وما يدبر به أمر كونه سبحانه وتعالى، والله أعلم ما الذي يستحق خلقه، وما الذي ينفع خلقه، والإنسان ينظر من منظور ضعيف ضيق فيما يراه أمامه من الكون، فيحدد لنفسه أشياء، فيقول: أنا أريد ذكوراً، أو يقول: أنا أريد إناثاً، أو لا أريد شيئاً، أو أريد أن أؤخر الإنجاب، فالإنسان يريد بحسب فهمه القاصر، ولكن الله عز وجل خالق الكون ومدبر الكون يخلق ما يشاء، فيجعل ما يخلقه لمصالح العباد؛ لمصالحهم في الدنيا ومصالحهم في الآخرة، لمصالح دنياهم ومصالح دينهم حتى يتقوا ربهم سبحانه ويعبدوه، وحتى يعلموا أنه القادر على كل شيء.
قوله: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا) أي: يجعل ذرية من يشاء من خلقه الإناث فقط، ومن أنبياء الله عز وجل من كانوا كذلك، فهذا لوط النبي عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كانت ذريته كلها إناثاً، ولم يكن له ذكور.
(وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ) ويجعل ذرية من يشاء من عباده الذكور فقط، وقد فعل ذلك في بعض أنبيائه، فجعل ذرية إبراهيم عليه الصلاة والسلام كلهم ذكوراً ولا يوجد إناث لإبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.