[تفسير قوله تعالى: (إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم)]
قال تعالى: {إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [فصلت:١٤] دعوة جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام الدعوة إلى عبادة الله وحده، والمنع من عبادة أي شيء غيره.
وهذا المعنى هو نفسه معنى: لا إله إلا الله أي: لا يستحق العبادة إلا إله واحد.
لصفة الألوهية الحقة لأي أحد ولأي شيء، وإثباتها للإله الواحد سبحانه تبارك وتعالى.
قال تعالى: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} [فصلت:١٤] أي: لا تتوجهوا بعبادتكم لأحد إلا لمن يستحق أن يكون إلهاً وهو الله سبحانه تبارك وتعالى.
فهو نفس معنى لا إله إلا الله، وكل الأنبياء والرسل قد دعوا أقوامهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، يعني: لا نعبد إلا الله.
وكل الأقوام كانوا يقرون بأن الخالق هو الله، وبأن الرب هو الله، وأن الله هو الرب الذي يخلق ويرزق، سبحانه تبارك وتعالى.
وقد كانوا يعبدون غيره سبحانه تبارك وتعالى، قال الله سبحانه: {قَالُوا} [فصلت:١٤]، أي: الأقوام، {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً} [فصلت:١٤] أي: ألم يجد الله غيركم؟ فلو أراد الله أن يرسل أحداً لأنزل ملائكة علينا.
ولو شاهد الناس الملائكة لآمنوا، فيكون الإيمان قسراً وقهراً، ويجبرون على الإيمان.
وهذا ما لا يريده الله عز وجل، وإنما يريد من عباده أن يختاروا هذا الدين العظيم الذي أرسل به الأنبياء.
فقد كلفهم الله وهداهم النجدين، وبين لهم سبيل السعادة وسبيل الشقاء، وليختر كل منهم ما يريد، ولا يحاسب إلا على اختياره، وإن كنا نؤمن أنهم لا يشاءون إلا أن يشاء الله، ولن يفعل أحد شيئاً إلا وقد علمه الله وقدره قبل ذلك وكتبه عنده سبحانه تبارك وتعالى، ولكن أمرنا أن نفكر وأن نختار، فاختار هؤلاء طريق الشقاوة، فقالوا: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [فصلت:١٤] أي: لن نؤمن بكم ((فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)).
فاستكبروا هؤلاء على الرسل الذين بعثهم الله، فقالوا: {لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلائِكَةً} [فصلت:١٤]، فأعرضوا عن رسلهم، وأعرضوا عن دين الله، ولم يعملوا عقولهم في ذلك، واستكبروا في الأرض.
قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} [الفجر:٦ - ١٣].
فأنزل عليهم عذاباً صبه عليهم من السماء، وكانوا يتوقعون من السماء الرحمة والمطر، فصبه عليهم من السماء، فمن حيث كانوا يأمنون وينتظرون الرحمة جاءهم العذاب، وصُب عليهم العذاب صباً.
قال تعالى: {فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٣ - ١٤] أي: ليس هؤلاء فقط الذين أهلكوا، وإنما كل من سار على نهجهم ومن فعل فعلهم وكفر كفرهم فله الهلاك، قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٤] أي: يرصد كل إنسان يطغى على أمر الله سبحانه ويظلم الخلق، ويعطيه من العذاب ما يستحقه.