[فراسة عمر رضي الله عنه]
وقد كان سيدنا عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه له تفرسات عجيبة جداً، فكان ينظر في الأشياء ويتوقعها، فتكون على النحو الذي يتوقعه رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فروي عنه أنه رأى رجلاً وهو يسير، فقال عمر رضي الله عنه: هذا كاهنهم.
وفي رواية قال: لست ذا رأي إن لم يكن هذا الرجل في الكهانة، يعني: كان كاهناً في الجاهلية.
وقال: علي بالرجل! فأتوا به، فسأله عمر: هل كنت كاهناً؟ فقال الرجل: ما رأيت استقبل مسلم بشر من ذلك، يعني: أنا رجل مسلم، وتستقبلني بهذا الشيء.
فلما ألح عليه عمر قال: نعم.
كنت كاهناً في الجاهلية.
ومن فراسته التي تفرد بها عن الأمة رضي الله تبارك وتعالى عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فأنزل الله عز وجل القرآن: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:١٢٥]).
ولم ينزلها الله من أجل أن عمر قالها، فالقرآن قد نزل إلى السماء الدنيا قبل عمر وقبل غيره، ولكن الغرض أن عمر وافق القرآن، وإلا فقد قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء:١٠٥] والزبور هو كتاب داود على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
والذكر: القرآن أي: قد كتبنا ذلك في القرآن، وأثبتناه في الزبور قبل أن نخلق الأنبياء، فقد كتبنا: أن الأرض سيرثها عبادي الصالحون.
إذاً: فالقرآن كان موجوداً قبل وجود النبي صلى الله عليه وسلم، وقبل وجود عمر، وقبل وجود غيره.
وإنما عمر رأى ذلك فوافق ما هو مكتوب عند الله عز وجل في كتابه.
أيضاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! لو أمرت نساءك أن يحتجبن) فنساء النبي صلى الله عليه وسلم كن يخرجن دون حجاب، ولم ينههن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ لأنه لا ينهى إلا أن يأتي إليه الوحي، فلما طلب عمر ذلك نزلت الآية على ما قاله عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وأنزل الله عز وجل في ذلك آيات الحجاب، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩] إلى آخر الآيات.
وأيضاً قال عمر لنساء النبي صلى الله عليه وسلم حين أغضبن النبي صلى الله عليه وسلم: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم:٥]، ونزل القرآن بما قاله عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وشاوره النبي صلى الله عليه وسلم في الأسرى في يوم بدر، وشاور أبا بكر وغيره، فرأوا أنه لا يقتلهم، وإنما يأخذ منهم مالاً ليستعينوا به على جهادهم، ونزل القرآن يوافق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، ويخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:٦٨].