للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا)]

ثم يقول الله لعباده: {فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى:٣٦] قال تعالى هنا: (فما أوتيتم من شيء) وقال في سورة القصص: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا} [القصص:٦٠] والمعنى: مهما أوتيتم من شيء، ومهما أعطاكم الله عز وجل من شيء لا تفتخروا بهذا الشيء ولا تستكبروا به، ولا يبغ بعضكم على بعض به، ولا تطغوا في الأرض فإن الله عنده ما هو أعظم من ذلك بكثير.

فالذي أعطاكم هذا هو متاع للدنيا، والدنيا زائلة فمتاعها كذلك، قال تعالى: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:١٨٥] فالمعنى: لا تفرح بغناك، فإنك تترك هذا المال في يوم من الأيام، ولا تفرح بقوتك فإنه يأتي عليك الشيب والشيخوخة وكبر السن، فتذهب هذه القوة التي تفتخر بها، ولا تفرح بصحتك، فإنه يأتي عليك الأمراض يوماً وراء يوم ويذهب هذا الذي كنت فيه، ولا تفرح بجمالك فإنه يزول في يوم من الأيام، ولا شيء يبقى في هذه الحياة الدنيا فكل ما عليها فان، يفنى ويبيد ولا يبقى إلا الرب وحده لا شريك له، وسوف يجازي العبيد يوم القيامة يحصي أعمالهم في الدنيا ويحاسبهم يوم القيامة.

قال تعالى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الشورى:٣٦] الذي عند الله هو الجنة، وجنة الخلود خير وأبقى، (خير) على وزن أفعل اسم تفضيل معناها: أخير، أي: أفضل بكثير من هذا الذي تراه في هذه الحياة الدنيا، وقوله تعالى: ((وَأَبْقَى)) إشارة إلى أن الدنيا فانية لا تبقى، والذي عند الله هو الذي يبقى، أما الدنيا فهي تزول.

إذاً: أخبرنا قبل ذلك بقوله: {وَمِن آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى:٢٩] فأخبرنا عن السماوات وعرفنا ذلك، وأخبرنا عن الفلك الذي تحت السماء الدنيا وفيه ما فيه من الأشياء التي نجهلها، وفي الجزء الذي ندركه منه فقط الأعداد التي لا نحصيها من المجرات والكواكب والشموس والنجوم والأقمار، أشياء عظيمة وعظيمة جداً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>