[تفسير قوله تعالى:(إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد)]
ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}[القصص:٨٥].
هذه الآية هي الخامسة والثمانون من هذه السورة، وليست الآية مكية ولا مدنية، يعني: لا نزلت في مكة ولا في المدينة، وإن كان الغالب أن يقال: إن السور المكية هي التي نزلت في العهد المكي، فتكون هذه في العهد المكي؛ لأنها نزلت والنبي صلى الله عليه وسلم في أثناء هجرته إلى المدينة.
وذلك أنه لما هاجر خرج إلى أماكن لا يعرفها، فاحتاج إلى دليل يدله على الطريق، فكان معه أبو بكر الصديق، ومعهما رجل من بني الديل هادياً خريتاً، فسلك بهم طرقاً لا يعرفونها، حتى وصل بهم إلى المدينة، فلما أفلتوا من الكفار مر على طريق يعرفونها بالجحفة، وكأنه صلى الله عليه وسلم تحسر على مكة؛ لأنه يحبها، فالتفت وهو يقول:(إنك لأحب البلاد إلي، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت)، صلوات الله وسلامه عليه، فأنزل الله عز وجل عليه هذه الآية يبشره ويطمئنه أنه سيرجع إليها يوماً من الأيام.
{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ}[القصص:٨٥]، أنزل عليك هذا القرآن وفرض عليك تلاوته وتحصيله.
{لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}[القصص:٨٥]، سيرجعك مرة ثانية إلى هذه البلدة التي خرجت منها، وهذا وعد الله، ولا يخلف الله الميعاد.
فالله عز وجل أرجعه إليها بعد خروجه منها بثمان سنوات صلوات الله وسلامه عليه.
{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[القصص:٨٥]، قل لهؤلاء الكفار الذين ذهبوا يسألون ويتحرون، وألغوا عقولهم وصدقوا اليهود وغيرهم، فسألوهم: أنحن على الهدى أم هو على الهدى؟! فإذا باليهود وقد أضلهم الله يقولون: أنتم {أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}[النساء:٥١]، قالوا لهم ذلك كذباً، فالله عز وجل يقول:{قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[القصص:٨٥]، من معه الهداية من الله سبحانه، ومن الذي هو في ضلال بين واضح وفي تيه، وفي بعد عن الحق.