[تفسير قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:٤ - ٥].
في هذه السورة الكريمة يذكر الله عز وجل فيها حكم الإنسان القاذف الذي يقذف مؤمناً أو مؤمنة، سواء كان القاذف رجلاً أو امرأة، فحكمه الشرعي فيه هو ما ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور:٤]، والمحصنات هن العفيفات من المؤمنات.
والمحصنة: هي التي أحصن فرجها، وهي العفيفة التي استعفت عن الحرام، فهي كريمة مؤمنة.
وقراءة الكسائي: (والذين يرمون المحصِنَات) بكسر الصاد فهي محصنة لنفسها، موصوفة بأنها حصان محصنة، وقراءة الجمهور: (المحصَنات) بالفتح.
والرمي: السب والقذف، فالذين يرمون، أي: يسبون ويقذفون، وأصل القذف: أخذ الحجارة والحذف بها، فاستعير ممن يقذف بالحجر فيجرح إلى الذي يقذفه بلسانه فيجرح كذلك، فقالوا: وجرح اللسان كجرح اليد، وقد يكون جرح اللسان أشد بكثير من جرح اليد، فجرح اليد يبرأ، ولكن جرح اللسان بالسب أو القذف ينتشر بين الناس.
وقد جاء الإسلام بحماية الأنساب وحفظ النسل بأن حرم الزنا؛ حتى لا تختلط الأنساب، فلا يعرف لمن يكون الولد ومن الذي اشترك فيه.
وجاء أيضاً بحماية الأعراض، فحرم على الناس أن يقذف بعضهم بعضاً، وعرض الإنسان هو محل المدح والذم، فالذي يرمي محصناً أو محصنة بجريمة الزنا عوقت بهذه العقوبة، قال سبحانه وتعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:٤]، فإذا رمى القاذف أحداً بجريمة الزنا فإنه يحد حد القذف، وأما إذا سب بشيء آخر غير الزنا فلا يحد حد القذف وإنما يعزر، وحد القذف ثمانون جلدة، لقول الله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور:٤].
والأمر الثاني: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [النور:٤] أي: إلى أن يموتوا، لا تقبل لهم شهادة، بل يصيرون كذابين، والأمر الثالث: {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:٤]، فوصفهم بالفسق، هو الخروج عن طاعة رب العالمين سبحانه، فعاقب الله الفاسق بعقوبة شديدة منها ما هو حال الآن وهو حد القذف بطلب المقذوف، ومنها ما هو مستمر إلى أن يموت، وهي وصفه بالفسق وعدم قبول شهادته، إلا إذا تاب فحكمه سيأتي.
وفي قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ} [النور:٤] قال العلماء: الرمي هو السب بجريمة الزنا، ويسمى: القذف، ومنه الحديث: إن ابن أمية قذف امرأته بـ شريك بن سحماء.