للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ذكر ما جاء من بدء نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم]

ولما نزل عليه الوحي نزلت سورة مفزعة، إذ نزل جبريل وأفزعه، ليثبته بعد ذلك، ويطمئنه صلوات الله وسلامه عليه بعد ذلك، فاسمع إلى هذا الخبر عن عائشة رضي الله عنها، تقول: حتى فجأه الحق وهو في غار حراء في مكة، فجاءه الملك صلوات الله وسلامه عليه فقال: اقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني)، تخيل وهو صلى الله عليه وسلم، وهو في غار حراء يتعبد الليالي، وداخل الغار وفجأة يظهر له الملك ويأتيه من عند ربه سبحانه وتعالى، ويقول له: اقرأ، وكان قد جاءه قبل ذلك صلوات الله وسلامه عليه، إذ تمثل له الملك في السماء ثم غاب عنه، ومرة أخرى، وكأن الله سبحانه وتعالى يعلمه شيئاً فشيئاً ويدخل الشجاعة على قلبه شيئاً فشيئاً، فمرة رآه في السماء، ثم ظهر له مرة أخرى في السماء، ثم بعد ذلك جاءه وهو في الغار عليه الصلاة والسلام، ليأمره ويقول له: اقرأ، قال: (قلت: ما أنا بقارئ) فالنبي صلى الله عليه وسلم أمي لا يجيد قراءة ولا كتابة، أي: ما الذي أقرؤه؟ أنا لست قارئاً، لا أقرأ، والمكان مكان موحش، والأمر أمر صعب وشديد أن يأتيه ملك في هذه الحالة، فلذلك كان من حقه صلى الله عليه وسلم أن يرجع إلى بيته فزعاً، ويقول: غطوني غطوني، فقد خاف من الذي حدث، يا ترى ماذا سيحدث؟! هذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول له جبريل: اقرأ، ويأخذه ويحتضنه بشدة، قال: (فغطني ثم قال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني الثالثة فغطني وقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:١ - ٥]).

فأنت لست قارئاً، أنت لا تعلم، وجدك ربك ضالاً فهداك سبحانه وتعالى، وعلمك ما لم تكن تعلم، فمن عليه، قال تعالى: {عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:٥]، وقال تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء:١١٣] صلوات الله وسلامه عليه.

ورجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها ترجف بوادره، وهذا أول ما نزل عليه من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:١]، فنبئ باقرأ وأرسل بالمدثر.

وعلم أنه رسول لما قال له ربه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:١ - ٧]، فالأولى: (اقْرَأْ) والثانية: قم للناس، (قُمْ فَأَنذِرْ) ولما جاءه الوحي وأنزل عليه (اقرأ) رجع إلى خديجة رضي الله عنها، فقال: (زملوني زملوني)، رجع يرتعد من شدة الخوف صلى الله عليه وسلم، وقال: (زملوني)، أي: غطوني، وقال للسيدة خديجة رضي الله عنها: (يا خديجة! ما لي؟) ما الذي حصل لي؟ وأخبرها الخبر، وقال: (قد خشيت على نفسي) خشيت أن يكون ما حصل لي تهيؤات بسبب أن الشياطين تمتثل لي، خشي على نفسه صلى الله عليه وسلم.

هذا المنظر الذي رآه صلى الله عليه وسلم لم يكن يخطر على باله، وكان هناك أناس في مكة متوقعين ذلك، وينتظرون أن يكون فلان رسولاً، أما هو صلى الله عليه وسلم فلم يكن على باله هذا الأمر، كان يعبد الله سبحانه وتعالى، ويرجو بذلك ربه سبحانه وتعالى، ترك الأصنام لأنه يبغضها ويكرهها صلى الله عليه وسلم، ويعبد الله ويتحنث في الغار الليالي، من الذي حفظه من عبادة الأصنام؟ ومن الوقوع في المنكرات والحرام؟ إنه الله سبحانه وتعالى، حفظ نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن عليه بذلك.

<<  <  ج:
ص:  >  >>