[تفسير قوله تعالى: (وقالوا إن هذا إلا سحر مبين)]
قال الله تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} [الصافات:١٥] أي: مهما رأوا من آية ومعجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام قالوا: هذا سحر تخييل، وخداع، واضح بين.
{أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} [الصافات:١٦] أي: هو يريد أن يخدعنا ويقول لنا: إذا متنا وكنا تراباً وعظاماً إننا سنعود إلى الحياة من جديد، وكما ذكرنا في الحديث السابق {مِتْنَا} [الصافات:١٦]، قراءة نافع وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف وباقي القراء يقرءونها.
(مُِتْنَا) فهل نبعث مرة ثانية ونخرج من قبورنا ((أَوَآبَاؤُنَا الأَوَّلُونَ} [الصافات:١٧]، وأين آباؤنا الأولون لقد ذهبوا فلم نراهم خرجوا أمامنا ولا أجدادنا ولا من قبلهم؟ فهل نبعث نحن وهؤلاء؟ فكذبوا بالشيء الذي لم يروه أمامهم وكأنهم يريدون أن يروا إنساناً يحيا أمامهم حتى يصدقوا ببعث يوم القيامة! ويوم القيامة غيب، وإحياء الموتى إخبار بغيب يكون بعد ذلك، والمؤمنون الذين يؤمنون بالغيب يؤمنون بالله ولم يروه ويؤمنون بالجنة والنار ولم يروهما، يؤمنون بالموقف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة ولم يروا ذلك فإذا جاء هذا الغيب، وصار واقعاً مشاهداً لا ينفع نفساً إيمانها حينئذ.
قال الله عز وجل آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم أن يجيبهم {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات:١٨] أي: تبعثون يوم القيامة، وهذه قراءة الجمهور وقراءة الكسائي (نِعم) كما قدمنا، {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} [الصافات:١٨] أي: صاغرون أذلة.
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ} [الصافات:١٩]، الزجرة: الصيحة وهي النفخة الثانية، لأن النفخة الأولى: ينفخ إسرافيل في الصور فإذا بالخلق كلهم هامدين يميتهم الله سبحانه وتعالى، فينفخ النفخة الثانية فيبعثون من القبور ويقفون بين يدي الله سبحانه {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} [الصافات:١٩] أي: ما الذي يكون، وينظر بعضهم إلى بعض، وينتظرون ما الذي يحدث لهم في هذا الموقف، ويقولون كما قال سبحانه: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات:٢٠] أي: يا هلاكنا، هذا اليوم يوم الجزاء الذي كذبنا به قبل ذلك، يا ليتنا نموت الآن، يدعون على أنفسهم بالهلاك في هذا اليوم يوم الجزاء والحساب.
{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} [الصافات:٢١] أي: الحكم الذي يفصل فيه بين الحق والباطل بين المحقين والمبطلين بين أهل الكفر وأهل الإيمان، فريق في الجنة وفريق في السعير {الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات:٢١].
{احْشُرُوا} [الصافات:٢٢] أي: اجمعوا {الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الصافات:٢٢] أي: المشركين بالله سبحانه بعضهم إلى بعض {وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:٢٢]، ومن كان مشابهاً لهم فاجمعوا كل مجموعة من هؤلاء على صفة واحدة: المشركون القتلة السراق الفجار، كل مجموعة يشبه بعضهم بعضاً فادفعوهم إلى النار والعياذ بالله.
والأزواج تطلق على المشاكلين أي المشابهين وتطلق: على الأصناف والأنواع التي بعضها مثل بعض، وكذلك على القرناء، فالإنسان وقرينه من الشياطين يحشران معاً إلى النار، وكذلك الزوج والزوجة إذا كانا يتعاونان على الشر والعياذ بالله.
قال: {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:٢٢ - ٢٣]، دلوهم على طريق الجحيم والعياذ بالله، والصراط: الطريق {وَقِفُوهُمْ} [الصافات:٢٤] أي: بين يدي الله عز وجل {إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:٢٤]، سؤال المناقشة، والتبكيت، والتوبيخ، وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من نوقش الحساب عذب) أي: الذي يناقشه الله سبحانه الحساب هالك لا محالة، وأما من يعرض عليه حسابه وصحيفة أعماله فالله عز وجل يتغمده برحمته سبحانه، وفرق بين من يناقش ومن يعرض عليه صحيفة العمل.
{مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:٢٥] أي: عجباً لأمركم كنتم تتعجبون في الدنيا، وينصر بعضكم بعضاً، وتقولون نحن جميع منتصر، أين هذا الجمع؟ ولم لا ينصر بعضكم بعضاً؟ أين هذا الذي سيدفع باب النار بمنكبيه حتى يخرج أهل النار منها ويمنع دخول الكفار؟! {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:٢٦] أي: اضرب عن هذا فيوم القيامة لا يوجد فيه أن ينصر بعضهم بعضاً، أو يدفع بعضهم عن بعض {الأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:٦٧]، كل خليل عدو لخليله يوم القيامة إلا من اتقى الله سبحانه وتعالى.
فهم اليوم قد استسلموا لهذا الواقع الذي هم فيه واستسلموا لربهم سبحانه واستسلموا لملائكة الله يعذبونهم.