[فضائل إبراهيم عليه السلام]
وقد أخذت سنة التلبية من فعل إبراهيم عليه السلام، فهو خليل رب العالمين، ومعنى الخليل: أقرب حبيب، وأحب حبيب.
وقد وصل إلى هذه الدرجة بطاعته لربه سبحانه، وبتوحيده له، وبأمره للناس بالمعروف ونهيه عن المنكر، وبمحاجته لأهل الأصنام، وبإفراده لله سبحانه تبارك وتعالى بالمحبة العظيمة، والتي تنطمس بجوارها أي محبة.
وقد اختبره الله سبحانه تبارك وتعالى في أبوه، هل سيحب أباه وإلا ربه سبحانه تبارك وتعالى، وقد كان أبوه يعصي الله، ويصنع الأصنام، فأمره إبراهيم بالمعروف ونهاه عن المنكر، وأمره بالتوحيد، قائلاً له: {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم:٤٣]، {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم:٤٥].
فأبي أبوه أن يدخل في دينه، وأن يطيعه وقال: {لَئِنْ لَمْ تَنتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} [مريم:٤٦ - ٤٧] أي: سأدعو لك ربي، {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:٤٧] واعتزل إبراهيم أباه، واعتزل عباد الأصنام، وفر بدينه إلى ربه سبحانه تبارك وتعالى، وأقبل على قوم يعبدون الكواكب من دون الله سبحانه، فدعاهم إلى رب العالمين، فلم يهتم ألا يستجيبوا له، وأن يطردوه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، ولكنه أصر على الدعوة إلى ربه سبحانه.
واختبره ربه في ابنه إسماعيل، وكان بكره وابنه الوحيد، فأمره بذبح ابنه عليه الصلاة والسلام، فإذا به يستجيب ولا يتردد، ويذهب إلى ابنه ويقول له: إن الله أمرني أن أذبحك، فقال: {افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:١٠٢].
فهذه سنن عظيمة وعجيبة في طاعة الله وتفويض الأمر إليه، والاستسلام والتسليم بين يديه سبحانه وتعالى.
وإبراهيم عليه الصلاة والسلام عندما كان يرفع القواعد من البيت كان يساعده ابنه إسماعيل فقط، وقد كان إسماعيل يذهب فيأتيه بالحجارة، وإبراهيم يرفع القواعد من البيت، وهما يدعوان ربهما: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٢٧].
ومن المستحيل أن يكون هذا العمل لغير الله سبحانه وتعالى؛ لأن الذي يعمل عملاً لغير الله فإنه يعمله في مكان يراه الناس فيه، وإبراهيم معصوم من ذلك عليه الصلاة والسلام، فهو يرفع القواعد من البيت ولا أحد معه إلا ابنه، وربه سبحانه شاهد عليه وهو يرفع ويتوسل إلى الله: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة:١٢٧].
فيتعلم المؤمن من هذا ألا يغتر بعمله أبداً، فإذا كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو المعصوم من الذنوب، والذي يستحيل في حقه أن يرائي أحداً، ولا أحد موجود حتى يطلع على ما يقوله إبراهيم ويفعله، ومع ذلك يدعو ربه سبحانه: {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} [البقرة:١٢٧]، فإذاً: لا تمن بعملك على الله سبحانه وتعالى، وإذا عملت عملاً فارجو من ربك أن يقبل منك هذا العمل، وإذا تقبله منك فهو الذي قال لنا في كتابه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:٢٧]، فإذا تقبل عمل إنسان فهذا دليل على أن هذا الإنسان تقي، وإذا كان تقياً وقاه الله عز وجل النار.