[بيان وقت نزول آية الحجاب، وما يجب على الضيف تجاه مضيفه]
قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} [الأحزاب:٥٣].
في هذه الآية أدب جم للمؤمنين يؤدبهم الله سبحانه وتعالى به في أمر الطعام وأمر الجلوس في الضيافة، فيجب على الإنسان أن يلتزم بأدب الضيافة.
ويجب على المضيف أن يدعو الأتقياء لطعامه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يأكل طعامك إلا تقي)، والراجح في هذا النهي أنه للإرشاد لا للتحريم، فيجوز للإنسان أن يطعم إنساناً شقياً أو مسلماً أو كافراً، سواء على وجه الهدية أو على وجه الصدقة، ولكن لا يكون هذا هو الغالب على أمر الإنسان أنه لا يطعم إلا الإنسان الشقي الفاجر، بل إذا دعا شقياً ليطعمه فليكن على وجه الدعوة له إلى دين الله عز وجل، وعلى وجه تحبيبه في دين الله سبحانه، فلابد أن توجد علة من وراء دعوتك له.
أما أن يدعو إنساناً شقياً بعيداً عن الله سبحانه للصحبة فقط فلا، لأنه قد تتعدى الأخلاق السيئة إليه؛ لأن الطباع معدية أشد من المرض، فحين يعتاد الإنسان أن يجلس مع إنسان رديء فيأكل معه ويشرب معه يتعلم منه ما هو عليه من أخلاق بذلة سافلة، والطيور على أشكالها تقع، فالإنسان الذي يود إنساناً غير سوي فيتخلق بأخلاقه لابد وأن يكون هناك شيء جمع بينهما ليصاحب هذا الإنسان.
ولذلك جاء في الحديث: (المرء مرآة قرينه)، فالإنسان مرآة لقرينه، فصورة قرينه تنطبع عليه، فالأخلاق هي التي تجمع بينهما، فلذلك نقول: إنه إذا دعا مثل هذا فليكن على وجه الندرة، وليدعوه إلى الله سبحانه وتعالى ويحببه في دين الله سبحانه ويدله على الطريق السوي، لكن يجب أن تكون العادة أنه لا يأكل طعامك إلا الإنسان التقي؛ لأن التقي إذا دخل بيتك غض بصره، وإذا أكل طعامك دعا لك، وإذا أكل شيئاً قليلاً شكر لك ولم يعترض عليك ولم يذمك.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:٥٣].
وسبب نزول هذه الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها أولم عليها فدعا الناس، فلما طعموا جلس طوائف منهم يتحدثون في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وبيت النبي صلى الله عليه وسلم عبارة عن غرفة واحدة، فامرأته في الغرفة وهو يسدل الحجاب بينه وبين الناس، وهنا أكل الناس عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخرجوا، والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظر خروجهم.
وهذا لا يليق أبداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم الآن معه امرأته وهي ليلة زفافه صلى الله عليه وسلم، وما زال الناس قاعدين في البيت! فجلسوا يتحدثون ولم يخطر ببال أحدهم أنهم يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فخرج صلى الله عليه وسلم ورجع لعلهم يستحون ويمشون فلم يخرجوا، وخرج مرة ثانية ورجع فوجدهم جالسين، فكان هذا ثقيلاً على النبي صلى الله عليه وسلم.
يقول أنس بن مالك: إن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم كانت مولية وجهها إلى الحائط، فهي غرفة واحدة موجود فيها النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته، وذلك قبل نزول آيات الحجاب، فزوجة النبي صلى الله عليه وسلم معطية للناس ظهرها، ووجهها إلى الحائط، والنبي صلى الله عليه وسلم ينتظر خروج هؤلاء، فأخذ يخرج ويرجع حتى فهموا منه ذلك فتحرجوا في النهاية.
قال أنس: فما أدري! أنا أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أن القوم قد خرجوا أو أخبرني، قال: فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقي الستر بيني وبينه ونزل الحجاب.
فنزول آيات الحجاب كان بعد زواج النبي صلى الله عليه وسلم من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، قال: ووعظ القوم بما وعظوا به، وأنزل الله عز وجل هذه الآية: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:٥٣]، فمنع الناس من دخول بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وألا يدخلوا إلا إذا دعوا لذلك وإلا فلا.
وحتى لو دعاك للدخول إلى بيته فلا تدخل من أول النهار، ولكن إذا نضج الطعام فاذهب وكل، فإذا أكلت فانصرف ولا تجلس في بيته؛ لأن ذلك يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم ويؤذي أهل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله عز وجل {إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} [الأحزاب:٥٣]، بشرط: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} [الأحزاب:٥٣]، وإناء الشيء، أي: نضجه، فلا تنتظر الطعام في بيته إلى أن ينضج، ولكن اذهب وقت نضجه فقط.
ثم قال تعالى: {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} [الأحزاب:٥٣]، أي: إذا دعيتم للطعام فادخلوا، فإذا أكلتم فانصرفوا ولا تجلسوا للحديث بعده، وهذا أدب عظيم للضيف يجب أن يعلمه جيداً.
يقول ابن أبي عائشة: حسبك من الثقلاء أن الشرع لم يحتملهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.