قال الله سبحانه تبارك وتعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:٣٧]، فالله سبحانه تبارك وتعالى هو الذي علمك العفو، وهو يقول لك سبحانه: إنه يعفو عن خلقه مع إجرامهم في حقه سبحانه ومع ذنوبهم العظيمة وكثرة خطاياهم إلا أنهم إذا تابوا إلى الله فإن الله يتوب عليهم سبحانه تبارك وتعالى، والله هو السميع الذي يسمع ما يقوله العباد، وهو العليم الذي يعلم ما يفعلون، وهو القادر على أن يعاقبهم، ومن آيات قدرته سبحانه تبارك وتعالى أنه خلق السموات والأرض، أفليس بقادر على أن يعاقب هؤلاء، وقد سمع ما قالوا، وعلم ما نووا وفعلوا؟! ومع ذلك يتجاوز ويعفو ويصفح عنهم، فاعف أنت أيضاً، وهذا من جمال الترتيب في هذه الآية، فقد ذكر لك مقام العفو، وأنك إذا عفوت لم ينقص ذلك من قدرك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) فلما ذكر مقام العفو، وأن الشيطان إذا نزغ فاستعذ بالله القادر الذي يسمع ويعلم ويقدر عليك وعلى خصمك وعلى الشيطان، عقبها بذكر قدرته على خلق السموات والأرض، فهو الذي خلقهما، فانظر في آياته لتعرف قدرته سبحانه تبارك وتعالى العظيمة.
قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ}[فصلت:٣٧] أي: ومن علامات قدرته ومعجزاته سبحانه، {اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}[فصلت:٣٧] فقد خلق الليل وخلق النهار كل منها عكس الآخر، وخلق الشمس والقمر بحسبان، أي: يجريان بحساب.
قال سبحانه:{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ}[فصلت:٣٧] أي: احذروا أن تسجدوا للشمس والقمر كما فعل الكفار ذلك، فسجدوا للشمس، وقالوا عنها: إنها إله تستحق العبادة، وهي مخلوق خلقها الله سبحانه تبارك وتعالى، وكذلك القمر آية من آيات الله، خلقه سبحانه لتعرفوا قدرة الله سبحانه تبارك وتعالى، لا لتعبدوها من دونه سبحانه.
قال تعالى:{لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ}[فصلت:٣٧] فإن الشمس مخلوقة مسخرة، والقمر كذلك.
قال تعالى:{وَاسْجُدُوا لِلَّهِ}[فصلت:٣٧] أي: الإله المعبود الحق سبحانه تبارك وتعالى، فهو الذي خلقهن، وخلق السموات والأرض وخلق الليل والنهار، وخلق البلاد والعباد، وخلق كل شيء.
قال تعالى:{إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}[فصلت:٣٧] أي: إن كنتم تبعدون الله حقاً، وإذا عرفتم أنه الرب الخالق الذي يستحق أن يعبد وحده، فهو الرب، وهو الإله سبحانه تبارك وتعالى، فإذا عبدتموه فوحدوه وحده ولا تشركوا به أحداً.