للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين)]

فلما وصل فرعون إلى قمة الطغيان والفساد قال الله عز وجل {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف:٥٥] فجاءهم العذاب من عند رب العالمين سبحانه تبارك وتعالى، وذلك لما خرج فرعون وقومه إلى بني إسرائيل ليستحييهم ويعذبهم ويبقيهم في الخدمة، وكان هذا الغرور من فرعون سبب لهلاكه وهلاك جنوده، فلما وصل بهم إلى شاطئ البحر الأحمر وإذا بموسى هنالك عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإذا بقومه لا يعرفون إلى أين يذهبون؟ فلما وقفوا مع موسى أمره الله عز وجل {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ} [الشعراء:٦٣ - ٦٤] وإذا برب العالمين سبحانه يفلق لموسى البحر بهذه العصا التي كانت ثعبان فيستجيب البحر ويصير فيه ممر لموسى ومن معه، فلما توسط موسى ومن معه البحر إذا بفرعون ومن معه ينظرون أمامهم آية عظيمة من آيات رب العالمين وهي انفلاق البحر، فلا يصدق فرعون أن هذا رسول بعد ما رأى ذلك، فيدخل فرعون ومن معه البحر ويخرج موسى من الناحية الأخرى، وينطبق البحر على فرعون ومن معه، فلما غرق وانتقم الله منه قال: {آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس:٩٠] أي: أنا مسلم ومؤمن بالذي آمنت به بنو إسرائيل، قال له ربه {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:٩١ - ٩٢] أي: نخرجك ببدنك عارياً من هذا البحر حتى يراك الناس مرمياً على شاطئ البحر مثل البهائم النافقة، قال جبريل للنبي صلوات الله وسلامه عليه فلو رأيتني وأنا أضع في فيه من وحل البحر خشية أن يتوب الله عز وجل عليه، لأنه قال: آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، فإن رحمة الله عظيمة واسعة.

والله تعالى إذا أنزل العذاب على قوم ما كان لينجيهم منه، إلا ما كان من قوم موسى فقط فإنه كل ما أنجاهم من عذاب أتاهم بعذاب آخر في الدنيا ويكون نهايتهم إلى النار والعياذ بالله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>